عندما يسألك رئيس الحكومة أن تكون وزيرا!

التقى المهندس عماد خميس رئيس الحكومة السورية الجديد مع كثيرين من المرشحين لشغل موقع وزير. لا أعرف العدد بالضبط، ولا أعرف كيف كانت طبيعة هذه اللقاءات، لكن بالتأكيد كان يبحث عن المناسب منهم للمكان المناسب كما يعتقد هو، ومن الطبيعي أن لا أكون أنا من بينهم ، فقد صار واضحا أن الكتّاب والصحفيين لايصلحون لإدارة أي منشأة حكومية !

ومع ذلك، وبحكم لوثة الصحافة التي عندي، تصورت أن سيادته استدعاني، وسألني ماذا ستفعل لو أسندت إليك حقيبة الإعلام؟! ، وعلى هذا الأساس رحت أرتب أفكاري؟

أولا : الإعلام . ثانيا: المهمة وزمانها. ثالثا: أنا . رابعا : الظروف .

وبعد أن فكرت قليلا، تصورت أنني سأطلب منه أن تكون الاجابة مكتوبة، كي لا تسقط أي فكرة من أفكاري في عجالة اللقاء، وكنت سأقدم وعدا بإنجاز النص خلال 24 ساعة، أي قبل صدور التشكيلة بالتأكيد . وسريعا كتبت على دفتر ملاحظاتي :

السيد رئيس الحكومة المكلفة :

بعد أربعين سنة خبرة في السياسة والثقافة والإعلام والأدب ، أجد أنه لامفر من الاعتراف إنه ((ليس)) لدينا ((إعلام مهني)) يحمل ((رسالة)). بل لدينا (( إعلان تعبئة عامة)). وإعلام التعبئة العامة يؤدي مهمة أحادية حتى لو نجحت، وهي لاتناسب الظرف الراهن، لأن الشرق الأوسط الجديد يتشكل بتسارع واضح، والإعلام الآخر يستهدف الرأي العام السوري كله بتسارع مماثل، ولايستثني أحدا ، لذلك على الإعلام أن يتحرك سريعا!

ويجب توجيه الخطاب الإعلامي لكل السوريين حتى أولئك الأطفال الذين تجنّدهم داعش طوعا أو كرها، وذلك في هجوم ((إعلامي)) معاكس يرد ذلك الاستهداف ويؤسس لمصداقية وطنية واحدة وموحدة، وإذا كنت ستقول لي أنني واهم. سأسألك: ولماذا تقومون بالمصالحة الوطنية إذا؟!

الإعلام اليوم، يا سيادة رئيس الحكومة المكلف ((إعلام عصري)) تقني يستخدم كل أدوات العصر ومناهجه للتأثير بالرأي العام وتوجيهه، ولاتنفع في هذه الحالة مسألة إغماض العين عن التفاصيل والمخبى لأن غيرنا ينشر كل شيء، ومن الضروري في هذه الحالة الشروع في إصلاح إعلامي جذري يبدأ بالمنهج وينتهي بالشكل. وفي هذا العصر يمكن لإعلام ناجح في لحظة ما أن يلغي معركة كبيرة جدا قد يذهب ضحيتها ألف مواطن!

أما من جهتي، فأعرف أنك لن تجد في مواصفاتي مايناسب لتكليفي وزيرا في حكومتكم الكريمة، ولكن أقول لك صراحة أنك إذا أردت أن تنجح في أداء حكومة (أزمة) . دع (الإعلام) يخرج سريعا من (أزمته) ، و(أنا)، أعدك بأنني سأعمل من أجل إعلام جيد (بلا أزمة) يؤدي عمله (بمهنية)، تحت سقف القانون الذي يحمي الجميع وينظم عملهم.. !

إن ظروف البلد ياسيادة رئيس الوزراء المكلف تشير إلى حالة عامة من الإحباط الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الوطني..مع أمل يتنامى بمكافحة الإرهاب والفوضى، وهذه معادلة مشجعة (إحباط+أمل) أفضل من معادلة (احباط+يأس)، وفي آليات حل المعادلات المعروفة يمكن العمل على موازنتها، بحيث تكون النتيجة على خير، وموازنة معادلة الإحباط والأمل تكون بتحويل الإعلام إلى إعلام واضح شفاف يزيد جرعة الأمل ليشكل موازيا فعليا للإحباط، موجه للجميع، يكون صورتهم، ومنبرهم..

وأخيرا : سأقول لك شيئا (بيني وبينك طبعا). ففي مجلس الشعب الأخير ظهرت آلية عمل جديدة بشكل عفوي، رغم أن كثيرين رأوا فيه أنه مجلس مؤقت ينتظر حل (جنيف). لقد ظهرت آليات تعاطي مع الشأن العام تجاوزت ماكانت الحكومة السابقة تتوقعه، فكسر ظهرها بالحوار الجريء والشفاف والملتزم الذي أجراه حول قراراتها الأخيرة برفع أسعار الوقود.

إذن ، المرحلة القادمة صعبة، وإغماض الإعلام العين عن التفاصيل الكاملة لما حصل في المجلس جعل الناس يبحثون عنه في وسائل التواصل الاجتماعي فكل واحد من النواب نشر رأيه كاملا. والذي لم يكسب في الجولة هو الإعلام .. صدقني !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى