رؤية استراتيجية‮: لماذا تبدو الولايات المتحدة “ضعيفة” عالميا؟ (زبيجينو بريجينسكي)

زبيجينو بريجينسكي *

عرض : إيمان شادي **

Zbigniew Brzezinski,Strategic Vision:America and the Crisis of Global Power,(New York: Basic Books, 2012


تكمن أهمية كتاب (رؤية استراتيجية‮: ‬أمريكا وأزمة القوة العالمية )‮ ‬كونه جاء كرد على ما تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية من تحديات،‮ ‬حيث أصبحت القوة العظمي الوحيدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي،‮ ‬ولكن هذا لم يدم طويلا لسياسات إدارة‮ "‬جورج دبليو بوش‮"‬،‮ ‬وللأزمة الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة التي جعلتها‮ -‬بل وأغلب الغرب‮- ‬تعترف بتأثر أنظمتها وحساسيتها لمثل هذه المشكلات،‮ ‬هذا إلى جانب القوى الاقتصادية الصاعدة ونمو قدراتها الاقتصادية،‮ ‬نتيجة المزج بين سياسة التحرير الاقتصادي ورأسمالية الدولة،‮ ‬التي أدت لمزيد من الاختراعات التكنولوجية‮. ‬أدي كل ذلك لزيادة الخوف والقلق من المستقبل،‮ ‬بما في ذلك القلق بشأن وضع الولايات المتحدة كقوة قائدة للعالم‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
يحاول الكتاب الإجابة على أربعة تساؤلات،‮ ‬أولها‮: ‬ما هي تطبيقات تحول القوى العالمية من الغرب إلى الشرق؟ ثانيها‮: ‬لماذا يبدو المظهر الأمريكي بالضعيف عالميا؟ وكيف تنذر علامات ضعف الولايات المتحدة بالسوء محليا وعالميا؟ وكيف أضاعت الولايات المتحدة الفرصة الفريدة التي أتاحتها لها النهاية السلمية للحرب الباردة؟،‮ ‬ثالثها‮: ‬ماذا ستكون النتائج الجيوسياسية،‮ ‬إذا ضعف وضع الولايات المتحدة الحالي بحلول عام ‮ ‬2025؟ ومن سيكون الضحية لهذا الضعف؟ وما تأثير ذلك في مشكلات القرن الحادي والعشرين؟ وهل تفترض الصين أن يكون للولايات المتحدة دور مركزي في شئون العالم عام‮ ‬2025؟ رابعها‮: ‬ما هي الأهداف الجيوسياسية بعيدة المدي التي يجب أن تتبناها الولايات المتحدة لكي تستعيد نشاطها؟ وكيف تستطيع،‮ ‬بمساعدة حلفائها التقليديين في أوروبا،‮ ‬أن تسعي لجذب تركيا وروسيا،‮ ‬لكي تبني‮ ‬غربا أوسع وأقوى؟ وكيف تستطيع أن تحقق التوازن في الشرق بين الحاجة لمزيد من التعاون مع الصين وبين واقع أن الدور الأمريكي يجب ألا ينحصر في التعامل مع الصين،‮ ‬وألا يسقط الولايات المتحدة في مستنقع الصراعات الآسيوية ؟.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وللإجابة على هذه التساؤلات،‮ ‬يؤكد الكاتب أن دور الولايات المتحدة سيظل ضروريا في السنوات القادمة‮. ‬فقد بات من الضروري،‮ ‬مع استمرار التغير في توزيعات القوى العالمية،‮ ‬ألا تتقاعس الولايات المتحدة،‮ ‬ولكن الأفضل أن تتأني وتقوم بدراسة علاقتها بالشرق الجديد،‮ ‬استراتيجيا وثقافيا‮. ‬وبذلك،‮ ‬تستطيع الولايات المتحدة أن تكون التوجه الجيوسياسي لعالم متطور في عالم تتحول فيه القوة من الغرب إلى الشرق ليصبح أكثر خطورة‮. ‬مشيرا إلى أن العالم يحتاج إلى الولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحيوي،‮ ‬والمظهر الاجتماعي الجذاب،‮ ‬والدولة المسئولة،‮ ‬والمتأنية استراتيجيا،‮ ‬والمحترمة دوليا،‮ ‬والمنبر الثقافي في تعاملها مع دول الشرق الجديد‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

أهمية الاستقرار الجيوسياسي‮‬

أصبح العالم متشابك العلاقات والأنشطة‮. ‬وفي ظل ما يواجهه العالم من مشكلات تتحدي البقاء الإنساني،‮ ‬بدأت الصراعات الدولية تلقي بظلالها‮. ‬وعلى الرغم من ذلك،‮ ‬لم تباشر القوى الدولية الأساسية دورها العالمي،‮ ‬بعد في التعاون والتكاتف من أجل مواجهة المشكلات الجديدة والمتزايدة التي تواجه البقاء الإنساني،‮ ‬مثل مشكلات البيئة من أزمات المياه،‮ ‬والتغير المناخي،‮ ‬والمشكلات الاجتماعية-الاقتصادية،‮ ‬ومشكلات الغذاء،‮ ‬والمشكلات الديموغرافية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وسيؤدى عدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية إلى أن تبوء أي جهود مبذولة للتعاون الدولي بالفشل،‮ ‬حيث يزيد تغير توزيع القوى عالميا من حدة واحتمالية تصعيد المشكلات المعاصرة‮. ‬كما أن زيادة تأثير ودور الصين‮ -‬إلى جانب ظهور قوى أخري كروسيا أو الهند أو البرازيل على سبيل المثال التي تتنافس فيما بينها على الموارد والأمن والمميزات الاقتصادية‮- ‬سيزيد من احتمالية زيادة إساءة التقدير،‮ ‬أو زيادة الصراعات‮.‬‬‬‬‬‬
ولذا،‮ ‬يجب على الولايات المتحدة أن تسعي لتشكيل أساس جيوسياسي واسع للتعاون على الصعيد العالمي،‮ ‬كما يجب أن تعمل على توفيق واحتواء الطموح المتزايد من جانب السكان المتزايدين عالميا بشكل يثير القلق‮.‬‬‬‬

السقوط في الفخ‮‬

يتشابه ما وقع فيه الاتحاد السوفيتي السابق،‮ ‬قبل سقوطه بسنوات قليلة،‮ ‬وبين ما تعاصره الولايات المتحدة،‮ ‬منذ بداية القرن الحادي والعشرين‮. ‬حيث لم يستطع الاتحاد السوفيتي،‮ ‬بتوجهاته الشديدة الانغلاق،‮ ‬أن يقوم بمراجعة سياساته‮. ‬كما أدي الالتزام في سباق التسلح العسكري بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة إلى ضعف الناتج القومي الإجمالي،‮ ‬ودفعه كذلك لغزو أفغانستان،‮ ‬مما أدي به إلى عدم القدرة على مواكبة المنافسة الأمريكية والتطور في سباق التسلح،‮ ‬مما اضطره للحد تدريجيا من تمويل القطاعات التكنولوجية،‮ ‬والذي بدوره أدي لتخلف هذه القطاعات‮. ‬وفي النهاية،‮ ‬أدي ذلك لتعثر الاقتصاد وتدهور المستوي المعيشي مقارنة بالغرب‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ومع ذلك،‮ ‬لم تبال الطبقة الاشتراكية الحاكمة بزيادة الاختلافات والفوارق الاجتماعية،‮ ‬بينما كانت في الوقت ذاته تحاول تجميل نمط حياتها الزائف‮. ‬وعلى صعيد العلاقات الخارجية،‮ ‬فقد أصبح الاتحاد السوفيتي منعزلا بشدة عن العالم الخارجي‮.‬‬‬‬‬‬
هذا التطابق وإن كان مبالغا فيه،‮ ‬فإنه يجب أن يعمل على دفع الولايات المتحدة إلى أن تعمل على تطوير نفسها،‮ ‬وأن تتوصل لرؤية جيوسياسية شاملة،‮ ‬وطويلة المدي،‮ ‬للاستجابة لأي تغير في وضعها الحالي‮. ‬وتستطيع الولايات المتحدة مع أوروبا الموحدة أن تقوم بتعزيز وجود‮ ‬غرب قوى،‮ ‬يستطيع الحركة والعمل كفاعل وشريك مسئول في مواجهة الشرق الآخذ في الصعود‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ويشير بريجينسكي،‮ ‬على سبيل المثال،‮ ‬إلى أن عدم استمرار الولايات المتحدة في القيام بدورها في المشاركة في حماية أفغانستان دوليا،‮ ‬قد‮ ‬يتسبب في أن تتحول إلى مأوي للإرهاب العالمي مرة أخري‮. ‬بينما‮ ‬يري أن تراجع القوة الأمريكية ومساعداتها قد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها،‮ ‬فقد تتحول باكستان إلى قوة نووية قائدة،‮ ‬أو ربما تصبح حكومة إسلامية معادية للغرب تماما كإيران‮. ‬لذلك،‮ ‬يري بريجينسكي أن ولايات متحدة أمريكية ضعيفة قد تؤدي إلى زيادة مخاطر الانتشار النووي حول العالم‮. ‬ويشير إلى فشل الرئيس أوباما في تفسير تراجع الدور الأمريكي في العالم‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
يفتقد الكتاب للتحليل المفصل لسياسات أوباما حتي الآن،‮ ‬كما يفتقد لأي مناقشات حقيقية حول كيفية تعافي الولايات المتحدة أو استعادتها لمكانتها،‮ ‬وكيف يمكنها التغلب على تحدياتها الداخلية،‮ ‬وكيف يمكن لأزمة الدين الأوروبي الحالية أن تؤثر في الولايات المتحدة ومستقبل الغرب‮. ‬‬‬‬‬
وأخيرا،‮ ‬يري بريجينسكي أنه إذا لم تستعد الولايات المتحدة قوتها،‮ ‬لتساعد في حل وإدارة مشكلات المشتركات العالمية،‮ ‬فإن أي جهود في هذه القضايا لا تلبث أن تنهار‮. ‬لذا،‮ ‬لابد أن تحدد الولايات المتحدة رؤية جيوسياسية متكاملة طويلة المدي،‮ ‬تتصدي لتحديات تغير التاريخ‮. ‬وقد حاول هذا الكتاب تقديم مخطط أو برنامج عمل استراتيجي لتوضيح هذه الرؤية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬

*مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق
** باحث مساعد بمركز الأبحاث الاجتماعية‮ ‬ – بالجامعة الأمريكية،‮ ‬القاهرة‬‬

مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى