الغرب والمجتمعات الاسلامية..حان وقت المصارحة
التوقف قليلا عند تصريحات الإدانة والاستنكار التي يطلقها الساسة الغربيون، عقب كل عملية إرهابية، تقوم بها الجماعات الإسلامية المسلحة على أراضيهم أو تستهدف رعايا بلادهم في دول أخرى متشابهة، تكاد تكون هي نفسها، مع بعض التعديلات والتحويرات في صيغة العبارة، ربما كي لا يملّها مواطنوهم، وتعرض عنها وسائل الإعلام، لكثرة تكرارها وخلوّها من أي جديد وحاسم.
وفي هذا الصدد يقول كيفن هولبرت، وهو ضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ” بعد أن قضيت بعض السنوات في بلدان اسلامية لمحاربة الارهاب، دائما أرفع حاجبي من الدهشة عندما أسمع أحدهم مثل وزير الخارجية جون كيري يتحدث في أعقاب هجمات باريس فيقول: “هذا ليس له علاقة بتصادم الحضارات، وهي تصريحات قريبة من خطاب الإدراة الأمريكية المعاد مرارا وتكرارا بأن ذلك لا علاقة له بالدين، ولا علاقة له بالاسلام، كما أنّ الرئيس أوباما غالبا ما يدين العمليات الإرهابية بعبارات مشابهة أو تدور في فلكها، كقوله عقب هجمات باريس مثلا ب” أنها معادية للقيم الكونية التي نشترك فيها جميعا”..
من قال لك يا مستر أوباما أنّ الجماعات التكفيرية لا يوافقونك الرأي فيما ذهبت إليه؟ فهم بالفعل لا يشاركوننا القيم الكونية التي نجلّها ونقدّرها ولو بدرجات متفاوتة، لكنها لا تعنيهم، فهم يعتزون بمحاربتها، لأنهم لا يؤمنون بها وفق منظورهم، وبالتالي فإنّ تصريحك لا يحيد على كونه ذي قيمة إخبارية توصيفية، في قولك بأنّ أعمالهم معادية للقيم التي نؤمن بها، طبعا، وأين الجديد في إقرارنا بالاختلاف معهم..أليس هذا الاختلاف هو الذي يعطي الإسلاميين مبرّرا للقتل والتفجير، بل ويعلن عن ذلك صراحة بكل “فخر واعتزاز”، ويسارع إلى تبني هذه الأعمال واصفا منفذيها بالأبطال والشهداء.
القاعدة والدولة الاسلامية، وقطاعات أخرى من العالم الإسلامي لا تؤمن أساسا بالقيم نفسها التي يؤمن بها العالم المتطور، فهم أساسا لا يؤمنون بحرية الدين أو الديمقراطية أو الحماية المتساوية في كنف القانون أو حرية الصحافة أو المساواة في الحقوق أو العدالة الاجتماعية، إنهم يضطهدون المرأة ويزدرون التنوع والتفكير الحر، ويعادون الحداثة، ويدمرون التحف الفنية التاريخية والمتاحف، باختصار هم لا يؤمنون من الأساس بالأشياء نفسها التي تعتز بها الحضارة الحديثة وتثمنها بشكل كبير.
تذكّرنا توصيفات خطابات الإدانة الغربية المكررة من طرف زعماء غربيين للإرهابيين، بما جاء على لسان أحد نقاد أدب صدر الإسلام في معرض حديثه عن الفرق بين طريقتي هجاء شاعري الرسول حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة لقريش، فالأوّل كان يصيبهم في مقتل، حين يتطرّق إلى تقصيرهم وتخاذلهم في القيم المشتركة بين الجاهلية والإسلام، أمّا الثاني فكان يكتفي بتعييرهم بأنهم مشركون ويحاربون الدين، وهو أمر يقع في نفوسهم بردا وسلاما، بل ويفتخرون بتمثله، فالقيم التي يتهمهم بانتهاكها، لا توجد أصلا عندهم، بل يتفانون في محاربتها، ممّا يجعل هجاءه شكلا من أشكال المدح.
خبراء غربيون ومحللون استراتيجيون، يدعون السياسات الغربية، والإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، إلى عدم الخوف الذي ينجرّعنه نوع من السقوط في المداهنة للمجتمعات الإسلامية بسبب الحرص على تجنّب التعميم، الذي هو لغة الحمقى والأفق الضيق، لكن هذا لا ينبغي أن يمنعهم من تسمية الأشياء بمسمياتها، فالعالم في صدد مواجهة مصيرية مع أعداء الحضارة والقيم الإنسانية، والحقائق على أرض الواقع تؤكد وجود حواضن وقواعد اجتماعية عريضة من الذين هم في حكم الإسلاميين أو من مسانديهم ومناصري عقيدتهم التكفيرية، وهو أمر لا يمكن القفز عليه بعبارات عائمة وغير حاسمة على شاكلة” “إننا ندين هذا العمل الذي لا ينتمي لقيم الإنسانية”، ويقول الخبير الأمريكي بلهجة غاضبة: “بينما نحن نجلس لننظم الكلمات ونقول مرارا وتكرارا بأننا لسنا في حرب معهم، وأن ذلك ليس تصادما للحضارات، يقولون هم بأنهم في حرب ضدنا وأنه تصادم حضارات”
باتت الأعمال الإرهابية تكبر وتمدّد أمام التراجع عن مكتسبات كبيرة في قيم الحرية والتسامح من طرف الشرق والغرب على حد سواء، مما جعل المحلل الأمريكي كلبرت يقول: ” المكان الوحيد الذي يبدو أننا نجد فيه أرضية مشتركة مع السلفيين المسلمين هو مع التعديل الأول للدستور المتعلق بحق حمل السلاح”.