الأولى من كندا والأولى من كتّاب القصة القصيرة أليس مونرو حائزة نوبل.. تشيخوف القرن العشرين (اسكندر حبش)

 

اسكندر حبش


«في الحياة، ثمة أمكنة قليلة
وأحيانا هناك مكان وحيد فقط،
حدث فيه شيء ما، ومن ثم تأتي الأمكنة كلها…»
(أليس مونرو من كتاب «الكثير من السعادة»)

لو صدقنا المقولة التي تفيد بأن اللجنة الملكية السويدية، تميل في السنين الأخيرة، إلى مكافأة بلد وثقافة معينين أكثر من مكافأة كاتب بعينه (على أعماله بالطبع)، لربما فهمنا ذهاب جائزة نوبل للآداب، هذا العام، إلى الكاتبة الكندية أليس مونرو (82 عاما)، التي حظيت أمس بهذا الشرف، لتدخل معه سجل الخالدين.
كلّ الترشيحات، قبل إعلان الجائزة، كانت تشير إلى احتمال فوز كلّ من: هاروكي موراكامي (اليابان، على الرغم من أن الجائزة ذهبت العام الماضي إلى القارة الآسيوية مع فوز الكاتب الصيني مو يان، وهذا أمر صعب الحدوث، أي أن تنال قارة واحدة جائزتين في عامين متتاليين) أو جويس كارول أواتس (الولايات المتحدة، إذ لم تحز الولايات المتحدة هذه الجائزة في الأدب منذ عشرين عاما، أي منذ فوز توني موريسون بها. ومن الأسماء الأميركية التي وردت أيضا فيليب روث وبخاصة أنه أعلن في وقت سابق من هذا العام أنه سيتوقف عن نشر الروايات، من هنا حُكي عن مكافأته الأخيرة) أو سفلتانا أليكسيفتش (روسيا البيضاء، وقد بقي اسمها يحتل مقدمة القائمة حتى اللحظات الأخيرة). كانت هذه الأسماء الأكثر تواترا من غيرها على المواقع الأدبية. لكن في الساعات الأخيرة التي سبقت الجائزة، بدأت «بعض الملامح» التي غيرت من المعادلات، بالظهور، وبخاصة حين تمّ الحديث عن أن الجائزة ستذهب حتما إلى امرأة، إذ لم تفز النساء سوى 12 مرة. من هنا تبوأت الروسية البيضاء مركز أكثر المرشحات احتمالا للفوز. لكن وكما هي العادة، ذهبت اللجنة، إلى العكس من كل التوقعات المحتملة، وإلى مكافأة «سيدة فن الأقصوصة الأولى في العالم»، أليس مونرو، التي لم يظهر اسمها كمرشحة قوية وإنما مثلها مثل باقي المرشحات والمرشحين (مع العلم أن اسمها كان حاضرا بقوة في العام الماضي). وتجدر الإشارة هنا إلى أن «الماغازين ليتيرير» الفرنسية، كانت اعتبرت في أحد أعدادها الأخيرة أن مونرو هي واحدة من أهم عشرة كتّاب في العالم (مع موراكامي وأواتس وغيرهم).
في اختيارها هذا ضربت الأكاديمية السويدية بحجرها الكثير من العصافير: كافأت للمرة الثالثة عشرة في تاريخها سيدة كاتبة، (آخر الكاتبات كانت الألمانية هيرتا موللر في عام 2009)، كما أن الجائزة عادت إلى جغرافيا «أميركا الشمالية» (مونرو من اللواتي ينتمين إلى الثقافة الأنغلوفونية، وهي أيضا أعلنت في وقت سابق أنها ستتوقف عن الكتابة)، والأهم من هذا كلّه، أن اللجنة تعيد الاعتبار هذا العام إلى فن أدبي نكاد ننسى وجوده: القصة القصيرة. إذ نادرا ما حازت القصة القصيرة اهتمام اللجنة السويدية، فعبر الـ112 عاما لم تمنح الأكاديمية السويدية كاتبا لا يكتب سوى القصة إلا هذا العام، لأن القصاصين الذين حازوها، كان في جعبتهم الكثير من الروايات، أي اعتبروا روائيين بالدرجة الأولى. وعلينا أن لا ننسى بالطبع، أن الجائزة تذهب إلى كندا للمرة الأولى في تاريخها، بمعنى أن نوبل ما زالت تكمل دورتها، على بلدان وثقافات لم تفز بالجائزة من قبل، لتلقي بعض الضوء «الخالد» عليها. وبين ذلك كله علينا أن نفهم أمرا جوهريا: لا يختار أعضاء اللجنة إلا ما يرونه هم بأنه الصواب، ضاربين عرض الحائط بكل التكهنات والترشيحات، فالأدب بالنسبة إليهم هو كما يقرأونه، لا كما يقرأه الآخرون.
على الرغم من سنيّها الطويلة، إلا أن أليس مونرو عرفت طيلة عمرها كيف تبقى كاتبة بعيدة عن الأضواء، أي لم تكن تحب حياة الاجتماعية المدينية، ونادرا ما تخرج إلى العلن، على الرغم من الشهرة الواسعة التي عرفتها أقاصيصها، التي تتجذر أحداثها في أرياف أونتاريو، وحيث إن أغلب شخصياتها تنتمي إلى العنصر النسائي، حيث تميل كثيرا إلى توصيف أشكالهن الخارجية الجميلة. لكن بالرغم من أنها تكتب عن النساء إلا «أنها لا تجعل الرجال شياطينَ» كما يقول الكاتب والمترجم الأميركي ديفيد هوميل (المقيم في مونتريال).
نقرأ في المعلومات التي تناقلتها المواقع البارحة أنها ولدت في 10 تموز 1931 في وينغهام في شمال مقاطعة اونتاريو، وقد عاشت في القرى الصغيرة هناك، إذ كان والدها مربي «ثعالب ودواجن» بينما أمها أستاذة مدرسة. قررت وهي مراهقة أن تصبح كاتبة، ولم تحد يوماً عن حلمها هذا. وقد وصفت يوما خيارها هذا بالقول: «لا أملك أي موهبة أخرى، لست مثقفة ولا أجيد التصرف مطلقا كسيدة منزل. لذلك ما من شيء يعكر صفو ما أفعله».
نشرت عام 1950 قصتها الأولى بعنوان «أبعاد الظل»، بينما كانت لا تزال بعد طالبة في جامعة «ويسترن أونتاريو»، وخلال هذه الفترة التقت بجيمس مونرو الذي تزوجته العام 1951 لترحل وتقيم معه في فانكوفر (شرقي كندا). حازت خلال حياتها العديد من الجوائز الأدبية الكبيرة، إلا انه بقيت تهرب من الضجة الإعلامية، وغالبا ما كانت تنتدب آخرين ليستلموها عنها. في عام 2009، حازت جائزة «مان بوكر» الدولية عن مجمل أعمالها وهي من أرفع الجوائز الأدبية الأنغلوفونية، وقد اختارت تلك اللحظة من تتويجها لتعترف بأنها كانت تعاني من مرض السرطان وقد تغلبت عليه، وهو المرض الذي وصفته عبر إحدى شخصيات إحدى أقاصيصها التي نشرتها في شباط 2008 (في مجلة النيويوركر الأميركية).. مجموعتها القصصية الأخيرة (الرابعة عشرة)، حملت عنوان «العزيزة الحياة» ونشرت عام 2012.

الواقعية البيسكولوجية

«تشتهر أليس مونرو بفنها الدقيق في القصة، وهي تعتمد فيه على أسلوب واضح مثلما تعتمد على الواقعية البيسكولوجية»، هكذا وصفتها الأكاديمية السويدية في بيانها وأضافت: «تجري أحداث أقاصيصها في المدن الصغيرة، حيث نضال الناس من أجل تأمين وجود لائق بهم إلا أن ذلك غالبا ما يقودهم إلى مشكلات في العلاقة بينهم وإلى أزمات أخلاقية وهذا السؤال نجده دائم التجذر عند مختلف الأجيال حيث مشروع كل جيل يتناقض مع مشروع الذي قبله». وتجد الأكاديمية أيضا: «غالبا ما تتشابك في نصوصها توصيفات الأحداث اليومية لكنها توصيفات قاطعة، تضيء القصة وتنير المسائل الوجودية».
التعليق الأول الذي صدر عن الكاتبة، قرأه ناشرها (ولم تنجح الأكاديمية في التحدث معها على الهاتف، بل تركت لها رسالة مسجلة)، وقالت فيه: «أعرف أنني كنت على قائمة المرشحين إلا أنني لم أكن أتوقع الفوز» وأضافت: «أسرّ جدا في الواقع بهذه المكافأة التي ستلفت الانتباه أكثر إلى الأدب الكندي».
تمتاز موضوعات أليس مونرو كما أسلوبها، بحضور هذا الراوي الذي نجده يشرح ـ أغلب الوقت – معنى الأحداث التي تجري أمامنا ونقرأها، وهذا الأمر دفع كثيرين، لعلّ أبرزهم الكاتبة الأميركية سينثيا أوزيك بمقارنتها بأنها تشيخوف القرن العشرين. ربما من هنا كان الجميع ينتظرون دائما كتبها الجديدة، إذ يقال إن أي مجموعة جديدة لها كانت تشكل حدثا في بلادها.
أفردت مونرو، باطّراد، في كتبها الأخيرة، مساحة أوسع للطبيعة، حيث غرقت في وصف الغابات والمساحات الشاسعة العائدة إلى قرى ريف أونتاريو. كذلك أفردت مساحة «للأخطاء البشرية» التي كانت تقع فيها شخصياتها وكأنها بذلك ترغب في القول «إن الناس، على الرغم من هذا الزمن، يمكن أن يثيروا الاهتمام».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى