الأمم المتحدة والعالم العربي.. تاريخ وقضايا (وحدة أبحاث «الشرق ألأوسط»)
وحدة أبحاث «الشرق ألأوسط»
«منظمة الأمم المتحدة» هي المؤسسة الدولية الأم في العالم اليوم، وهي من حيث دورها كمؤسسة ضابطة ومنظمة للعلاقات بين الدول جاءت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على أنقاض التجربة الأسبق في العلاقات الدولية «عصبة الأمم». ويذكر أن «العصبة» أسست بدورها في أعقاب «مؤتمر صلح باريس» في نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانت الغاية الرئيسة منها كما نصت شرعتها المحافظة على السلام ومنع الحروب في العالم. وبلغ عدد أعضائها عام 1935 في أقصاه 58 دولة.
نشوب الحرب العالمية الثانية جاء دليلا على إخفاق «العصبة» في تحقيق المهمة التي أسست من أجلها، وبالتالي مع اقتراب تلك الحرب من نهايتها كان لا بد من إيجاد صيغة جديدة أكثر نجاعة وفاعلية. وبدأت المحاولات في الواقع عام 1943، أي قبل انتهاء الحرب عبر «إعلان موسكو» الذي أكد على الحاجة للصيغة البديلة ثم «لقاء طهران». وبالفعل، عقد في قصر دومبارتون أوكس بالعاصمة الأميركية واشنطن بين 21 أغسطس (آب) و7 أكتوبر (تشرين الأول) 1944 مؤتمر حمل اسم «محاورات واشنطن حول تنظيم الأمن والسلام العالميين»، لكنه اشتهر في ما بعد بـ«مؤتمر دومبارتون أوكس»، وخلاله جرى الإعداد للمؤتمر التأسيسي.
المؤتمر التأسيسي عقد في مدينة سان فرانسيسكو لولاية كاليفورنيا الأميركية بين 25 أبريل (نيسان) و26 يونيو (حزيران) 1945 بحضور مندوبين من 50 دولة، وجرى خلاله مراجعة ما اتفق عليه في «مؤتمر دومبارتون أوكس» وانتهى بالإعلان عن ميثاق أو شرعة الأمم المتحدة التي فتح المجال لتوقيعها يوم 26 يونيو.
الوجود العربي واكب المنظمة منذ أبصرت النور، فبين «الدول المؤسسة» كانت هناك خمس دول عربية هي: مصر والمملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا (كلها انضمت فعليا يوم 24 / 10 / 1945) والعراق (21 / 12 / 1945). ومن دول الشرق الأوسط كانت هناك أيضا إيران وتركيا. ثم إن للعرب ثقلا إضافيا يتمثل بأن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست للمنظمة إلى جانب اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والماندرين الصينية والإسبانية، مع العلم بأن أمينها العام السادس اختير من دولة عربية وهو الدكتور بطرس بطرس غالي الذي تولى المنصب لأربع سنوات بين 1992 و1996. واليوم تضم المنظمة 192 دولة، بينها 22 دولة عربية.
* المنظمة والعالم العربي خلال سنوات قليلة من تأسيس المنظمة، التي جعل مقرها الرئيس في مدينة نيويورك، وأكبر مقارها الفرعية مقرها الأوروبي بمدينة جنيف السويسرية، كان النزاع العربي الإسرائيلي في مقدمة القضايا التي قدر لها أن تشغل المنظمة حتى اليوم، بل إن دولة جديدة، هي إسرائيل، أبصرت النور وقامت في قلب المنطقة العربية على أرض فلسطين التاريخية بالتزامن مع الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى عام 1948.
المنظمة الدولية، من الناحية التنظيمية، تضم عددا من الأجهزة الرئيسة ذات الطابع السياسي، بالإضافة إلى عدد من المنظمات الفرعية أو الوكالات المتخصصة. وهذه الأجهزة الرئيسة هي:
* الجمعية العامة أو العمومية.
* مجلس الأمن الدولي.
* مجلس الوصاية.
* الأمانة العامة.
* محكمة العدل الدولية.
* المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.
أما الوكالات المتخصصة فمن أبرزها: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» (مقرها العاصمة الفرنسية باريس)، وصندوق النقد الدولي (العاصمة الأميركية واشنطن)، والبنك الدولي (العاصمة الأميركية واشنطن)، ومنظمة الأغذية والزراعة «الفاو» (العاصمة الإيطالية روما)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (العاصمة النمساوية فيينا)، ومنظمة الطيران المدني الدولية «الأيكاو» (مونتريال – كندا)، ومنظمة العمل الدولية (جنيف – سويسرا)، ومنظمة الصحة العالمية (جنيف – سويسرا)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» (نيويورك). وكان للعرب حضور مميز في الوكالات المتخصصة التي ترأسها بعضهم مثل الدكتور محمد البرادعي (مصر) والمهندس إدوار صوما (لبنان) وطالب الرفاعي (الأردن).
* القضية الفلسطينية والنزاعات المتصلة
* القضية الفلسطينية والنزاعات المتصلة بها تشكل أبرز المحطات في علاقات العرب مع المنظمة الدولية، وهي علاقات سياسية وعسكرية وإغاثية تعبر عنها منذ اندلاع النزاع العربي الإسرائيلي وحتى يومنا هذا هيئات وقوات فصل وقوات حفظ سلام في عدد من الدول العربية المحيطة بفلسطين، ناهيك من فلسطين المحتلة ذاتها.
لقد كان وما زال للأمم المتحدة دور محوري في نكبة فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل، ومن ثم النزاع العربي – الإسرائيلي الذي شمل حروب 1948 و1967 و1973 وغزو لبنان عام 1982 بصفة عامة، بما فيه من تداعيات على جيران فلسطين مثل الأردن ولبنان ومصر وسويا، شكل أطول علاقة بين العالم العربي والمجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة، وضمن ذلك الهجمات الإسرائيلية المتعددة على لبنان وسوريا ومصر.
كانت البداية مع خريطة «تقسيم فلسطين» عام 1947، وتلتها كل التداعيات الأخرى، بل إن مجلس الأمن الدولي أقر بين 1967 و1989 فقط ما لا يقل عن 131 قرارا متصلا بهذا النزاع، في حين أدان «مجلس حقوق الإنسان» التابع للمنظمة إدانات لإسرائيل تربو على كل الإدانات بحق دول العالم الأخرى مجتمعة.
وحاليا توجد في سوريا قوات الفصل الدولية «الأندوف» في هضبة الجولان، وفي جنوب لبنان تنتشر قوات «اليونيفيل»، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة تعمل «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، ناهيك من نشاطات «اليونيسيف» في مجالات الاهتمامات بالطفولة والأجهزة والوكالات الإقليمية.
* حرب السويس
* حرب السويس يمكن، بطبيعة الحال، إدراجها ضمن تداعيات النزاع العربي الإسرائيلي لكنها أخذت أبعادا إضافية لمشاركة قوتين عظميين يومذاك هما بريطانيا وفرنسا فيها إلى جانب إسرائيل ضد مصر.
عام 1956 وقعت «حرب السويس»، أو ما يعرف أيضا بـ«العدوان الثلاثي» على مصر، عندما شنت كل من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل هجوما، في أعقاب إقدام الرئيس المصري جمال عبد الناصر على تأميم شركة قناة السويس كردّ منه على سحب بريطانيا والولايات المتحدة عرضيهما لتمويل بناء السد العالي في أسوان. وكان الموقفان البريطاني والأميركي نابعين من تداعيات الحرب الباردة وانفتاح مصر تحت رايات القومية العربية على الاتحاد السوفياتي واعترافها بالصين الشعبية. وكانت الغاية من الهجوم الثلاثي استعادة السيطرة على القناة والإطاحة بعبد الناصر. غير أن الهجوم أو العدوان أخفق في تحقيق أهدافه – على الأقل سياسيا – وأدى تدخل، بل إنذار كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ومعهما الأمم المتحدة، إلى إجبار الدول الثلاث المعتدية على التراجع.
* الحرب العراقية الإيرانية
* الحرب العراقية الإيرانية وتداعياتها أيضا لعبت فيها الأمم المتحدة دورا بارزا، شمل التفتيش الدولي على أسلحة الدمار الشامل العراقية. وكانت الحرب قد اندلعت في أعقاب الثورة الخمينية في إيران وتصعيد الخطاب المذهبي والثوري الإيراني، ولا سيما عن «تصدير الثورة»، ما شحن الأجواء المشحونة أصلا قبل سنوات طويلة إبان فترة الحكم الإمبراطوري البهلوي واحتلال المحمرة العربية أو عربستان، التي تسمى اليوم إقليم خوزستان في إيران، بما فيها الأحواز (الأهواز بالفارسية) كبرى مدن المنطقة، ومن ثم النزاع الطويل على شط العرب.
وبدأت تلك الحرب فعليا في سبتمبر (أيلول) عام 1980 مع اجتياز القوات العراقية خط الحدود، وانتهت في أغسطس 1988، ما جعلها أطول الحروب الكلاسيكية في القرن الـ20. ولقد تدخل مجلس الأمن الدولي مرارا لوقف القتال، لكنه لم يوفق إلى ذلك إلا يوم 20 أغسطس 1988 عبر القرار 598.
* غزو الكويت
* يوم 2 أغسطس 1990 غزا العراق جارته الكويت في ما عرف بـ«حرب الخليج الأولى»، وذلك في أعقاب نزاع على حدود حقول نفطية واتهام الحكم العراقي الكويت باستغلال انشغاله بحربه مع إيران لاستخراج النفط من حقول متنازع عليها. ولقد بذلت عدة وساطات عربية جهودا لنزع فتيل التفجير باءت بالفشل، فكان ما كان ووقع الغزو في صيف 1990، ولم يكتفِ الرئيس العراقي صدام بذلك، بل أعلن الكويت محافظة عراقية.
يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) فوضت الأمم المتحدة عبر قرار مجلس الأمن 678 – استنادا إلى عدة قرارات سابقة – باستخدام القوة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وأعطي العراق مهلة حتى 15 يناير (كانون الثاني) 1991 للانصياع للقرار الدولي.
مرت المهلة من دون أن يتجاوب العراق، فشنت قوات متعددة الجنسيات، أميركية أوروبية وعربية، ما عرف بعملية «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت يوم 24 فبراير (شباط) 1991، وتم لها ذلك خلال فترة قصيرة.
* غزو العراق
* بعد ذلك بدأ مسلسل أسلحة الدمار الشامل في أعقاب التهم باستخدام العراق السلاح الكيماوي، وبالذات غاز الخردل ضد الأكراد في شمال البلاد. ووصل المسلسل إلى نقطة مفصلية لدى استغلال الولايات المتحدة «هجمات 11 سبتمبر 2001» وإعلانها «الحرب على الإرهاب»، فبعد غزو أفغانستان غزت القوات الأميركية، بدعم من بريطانيا، العراق يوم 20 مارس (آذار) 2003 تحت ذريعة تخزينه أسلحة دمار شامل ممنوعة، وأسقطت الحكم فيه واحتلت البلاد، وبقيت القوات الأميركية في العراق حتى 15 ديسمبر (كانون الأول) 2011.
* نزاع الصحراء الغربية
* بعيدا عن المشرق العربي، كان نزاع الصحراء الغربية من النزاعات الطويلة نسبيا التي تدخلت فيها الأمم المتحدة، ونشرت في المنطقة موضوع النزاع قوة دولية عرفت باسم «مينورسو». وما زالت قضية الصحراء الغربية التي هي جزء من المغرب، بعدما كانت مستعمرة إسبانية تعرف باسم الساقية الحمراء ووادي الذهب، تثير توترات بين المغرب والجزائر بنتيجة دعم الجزائر جبهة «البوليساريو»، وكان آخر قرار أقره مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن يحمل الرقم 2099 لتمديد فترة عمل «المينورسو» حتى 30 أبريل 2014.
* السودان وجنوب السودان
* في السودان أيضا كان للأمم المتحدة أدوار ومواقف، ولا سيما في نزاعين متصلين بوحدة أراضي السودان والطموحات الانفصالية لبعض مكوناته، وبالذات إقليم دارفور (غرب البلاد) وإقليم جنوب السودان الذي استقل أخيرا تحت اسم «دولة جنوب السودان».
بدأت حرب انفصال الجنوب عام 1962، وأمكن ضبطها بين الفينة والفينة عبر اتفاقات، غير أن اكتشاف النفط في الجنوب وتطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال (العربي المسلم) عزز المطامح الانفصالية في الجنوب (غير العربي وغير المسلم)، وتفاقمت الحرب في الجنوب على وقع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. واتهامها نظام الخرطوم بالتورط بدعم الإرهاب.
وعام 2003 اندلعت انتفاضة انفصالية في دارفور وتصدت لها السلطات السودانية بالقوة مما نتج عنه حصيلة لاجئين كبيرة تأثرت بها دول الجوار على رأسها تشاد. واتهمت مصادر في الأمم المتحدة عام 2004 ميليشيات الجنجويد المناصرين لحكم الرئيس عمر حسن البشير بارتكاب مجازر في الإقليم. وبعدما كانت السلطات السودانية قد توصلت إلى اتفاق سلام دائم مع الجنوبيين، فرض مجلس الأمن الدولي في مارس من عام 2005 عقوبات على الخرطوم ركزت على من ينتهك منتهكي وقف إطلاق النار في دارفور، وكذلك إحالة المتهمين بجرائم حرب إلى محكمة العدل الدولية.
وتوترت العلاقات بين الخرطوم والأمم المتحدة، إذ رفضت الأولى نشر قوات سلام دولية في الإقليم ثم طردت كبير مسؤولي المنظمة من العاصمة السودانية، ولكنها وافقت لاحقا على نشر جزئي يدعم قوات حفظ السلام الأفريقية. وبعدها تسارعت الأحداث وأصدرت محكمة العدل الدولية عام 2007 أولى مذكرات التوقيف ضد المتهمين بجرائم الحرب، كما أصدر مجلس الأمن قرارا بتشكيل قوة سلام في دارفور. وفي العام التالي 2008 تولت الأمم المتحدة كليا أمر القوات الأفريقية – الدولية «اليوناميد» في الإقليم، كما اتفق البشير والزعيم الجنوبي سلفا كير ميارديت على التحكيم الدولي للنزاع حول منطقة أبيي الغنية بالنفط بين شمال السودان وجنوبه. ولكن خلال فترة قصيرة طلب ادعاء محكمة العدل الدولية اعتقال البشير بتهم القتل الجماعي والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، في خطوة غير مسبوقة. وعام 2009 أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق البشير. وقَبِل الشمال والجنوب بالتحكيم الدولي واتفقا على شروط الاستفتاء على استقلال الجنوب عام 2011، كما أعلنت نهاية حرب دارفور. وحصل هذا بالفعل من ذلك العام.
* ليبيا ومجلس الأمن (قبل 2011) فرض مجلس الأمن الدولي على ليبيا عقوبات بعد إدانتها بالتورط في جريمتي إسقاط طائرتي ركاب في الجو، الأولى تملكها شركة «بان أميركان» الأميركية، فوق بلدة لوكيربي باسكوتلندا عام 1988، والثانية تملكها شركة «أو تي آر» (اتحاد النقل الجوي) الفرنسية فوق النيجر عام 1989. ولكن عام 2003، في أعقاب «قيام السلطات الليبية بما طلب منها»، وتقديمها المتهمين إلى القضاء ودفع تعويضات لذوي الضحايا، أصدر المجلس القرار 1506 بغالبية 13 صوتا وامتناع فرنسا والولايات المتحدة عن التصويت برفع العقوبات المفروضة على ليبيا.
* قضايا أخرى عابرة
* بالإضافة إلى ما سبق كان للأمم المتحدة نشاطات ومهام لافتة في مجالات أخرى، منها دورها في التعامل مع المجاعة في اليمن 2010 – 2013، وفي نزاعات منها النزاع الحدودي بين البحرين وقطر الذي حسمته قضائيا وتحكيميا محكمة العدل الدولية عام 2001، وفي مهام تنموية إقليمية تنهض بها هيئات ومكاتب إقليمية مثل المفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ومقرها العاصمة اللبنانية بيروت.