كتاب الموقعنوافذ

لقد مات من … الحزن

” لا تستعجل اللحاق بجنازتك…
فهي لن تبدأ من دونك ”
“أسباب الوفاة عديدة…
من بينها وجع الحياة ” !

لقد مات من … الحزن

هذا عند الشاعر محمود درويش
أما عند القائد ياسر عرفات…
فأسباب الوفاة عديدة…
من بينها الموت بالبولونيوم!
كان ياسر عرفات هدفاً لإسرائيل منذ خمسين عاماً، من بداية “فتح” 1965 . وقد تعرض لأربعين محاولة اغتيال. من بينها الأغرب في تاريخ الصراعات: الاغتيال بالطائرات. ففي بيروت 1982 قصفت الطائرات الإسرائيلية مبنى من عشرة طوابق ، لشكها بأن عرفات هناك في القبو .
كان الإسرائيليون يسمونه ” الهدف الكريه” لأن نوعاً من الاشمئزاز الشخصي كان يتحكم برئيسي وزراء، على الأقل،هما : مناحيم بيغن ، وأرييل شارون . لدرجة أن بيغن لم يذكر اسم عرفات بأي شكل سوى : ” الملتحي… هذا الملتحي” !
ولأن كل محاولات الاغتيال فشلت… أسموه ” القط بألف روح” .
حتى سقوط طائرته في الصحراء الليبية، وبقاؤه أياماً والضباع تحوم حوله… لم يستطع الموت الاقتراب كثيراً منه .
وعندما حاصره شارون في مبنى قيادته في “رام الله” ضيّق الحصار ليكون في بضعة غرف وحمام… ولديه بضعة أرغفة وقطع من الجبن. وحين عرض رئيس الاستخبارات الداخلية على شارون انتهاز الفرصة وقتل عرفات … أجاب شارون: ” دعه يتعفن في غرفه” .
ليس هناك ضرورة لتعداد الأسباب التي جعلت عرفات عدواً برقم “1” .
فالأسباب كلها لها علاقة بالتنازل عن حق. وبالمناسبة لا ينبغي أن نعتقد أن هذا الحق، ( في التسويات السياسية المفتوحة منذ أوسلو) هو فلسطين، ولا حتى الضفة الغربية وغزة كلها… بل الحق بما تبقى وهو 20 % من أرض فلسطين التاريخية.
وحول هذه ال 20 % جرت دماء كثيرة على الأرض الفلسطينية وأقيمت جدران ومستوطنات، وجرت مياه كثيرة في نهر الأردن. وكانت المساومة الأخيرة قبل وفاة ياسر عرفات هي 2 % من الأرض، مع تسوية قضية اللاجئين .
إسرائيل تعتقد أن ياسر عرفات، كما كان أحد بناة الوطن المعنوي للفلسطينيين ” منظمة التحرير” ليقيم فيها أمل المنفيين… فإنه أيضاً أحد صائني الذاكرة الفلسطينية لتكون واقية للأجيال من دهم النسيان!
وإسرائيل تعتقد أنه عقبة، وتعتقد أنها برحيله، تشق خارطة طريقها في ورثته من القادة ، مع ما يعنيه تحطيم رمز إجماع فلسطيني، بإزالة ممثل المنطقة الوسطى بين صراعات الفصائل.
وهكذا…
حيث لم تنجح محاولات قتله بالوسائل كافة… اخترعت إسرائيل وسيلة تشبهها ، في البنيان ، ” البولونيوم المشع” ، والتقارير الإسرائيلية الصحفية تصف العملية بأنها نوع من الخيال العلمي.
لقد احتاج الأمر إلى عملية ينقل من خلالها البولونيوم على شكل واحد بالمليون من الغرام. (أي لو قسمنا حبة أسبرين إلى نصف مليون جزء… يكون جزء منها هو هذا الواحد بالمليون ).
هكذا يكون عرفات الفلسطيني قد قتل باستخدام أحفاد كيميائية لمفاعل ” ديمونه” الذي بنته فرنسا وأهدته لإسرائيل في الخمسينات… وتكون فرنسا عاجزة عن إنقاذ حياته حين ذهب إلى مشافيها .
… اليوم نكتشف كيف مات عرفات، وتعرف الوسيلة التي استخدمت لموته. ولا شك أن كل شيء حدث ويحدث بطريقة تراجيدية فعلاً… وسوف تكون هناك قصة أظنها تبدأ من صب جثمان عرفات في تابوت من البيتون لحفظها حتى تتحرر القدس ويدفن هناك، تنفيذاً لوصيته. ولكن القصة ربما تنتهي باكتشاف أن هذه الطريقة البيتونية هي لمنع تسرب اشعاع البولونيوم الذي قتله .
الجنرال يعالون رئيس الأركان الإسرائيلي… سأله صحفي : ما سبب موت عرفات ؟
أجاب: هذا أمر محسوم… من الحزن !
هكذا نضيف إلى أسباب الوفاة… سبباً آخر لا يعرفه محمود درويش!

 

09.11.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى