في الإمبراطورية الأمريكية.. لماذا تقوم الدولة العميقة بإغراق هيلاري؟

هل أنت منفتح على منظور غير تقليدي إلى حد ما في هذه الانتخابات؟ إذا كان الأمر كذلك، طالعنا عليه، وإذا كنت واثقًا تمامًا أنك تعرف كل ما يمكن معرفته عن هذه الانتخابات (الخير مقابل الشر، والديمقراطيون مقابل الجمهوريين وما إلى ذلك)، حسنًا.. إذًا دعونا نقارن الملاحظات في خمس سنوات ونرى أي سياق يزودنا بالبصيرة نحو المستقبل.

وفي السياق المعروض هنا، نجد أن شخصيات الاثنين المرشحين أقل من دورهم الملحوظ في تغيير النظام الإمبراطوري.

دعونا نبدأ مع لمحة سريعة عن العلاقات بين جميع الأحزاب السياسية، والدولة العميقة المتمثلة في مركز القوى العميقة غير المنتخبة بالحكومة المركزية، والمستمرة بصرف النظر عن أي شخص أو جهة في المناصب المنتخبة.

وكان الرئيس الجمهوري أيزنهاور يمتلك الجاذبية السياسية والعسكرية التي تمكنه من وضع قيود على الجناح العسكري الصناعي للدولة العميقة، لدرجة أن المرشح الديمقراطي جون كينيدي ادعى أن الولايات المتحد قد تخلفت عن الاتحاد السوفيتي عسكريًا خلال الانتخابات الرئاسية في الستينات (“عجز الصواريخ” الفاضح).

ويذكر أن ليندون جونسون، ربما كان الديمقراطي الليبرالي الأكثر نشاطًا في هذا العصر، والذي لم يكن على وشك الاصطياد من قبل الجمهوريين، وقام باتباع أجندة توسعية للإمبراطورية خلال مستنقع الـ10 أعوام لفيتنام.

ويمكن أن يجد الحزب الليبرالي الديمقراطي أرضية سياسية سهلة للضغط من أجل اصطياد الجمهوريين ومطالب الحرب الباردة التوسعية للدولة العميقة، وكان كلا الرئيسين الديمقراطيين الليبراليين بين عامي 1965 و1980، جونسون وجيمي كارتر، رؤساء لدورة واحدة، وتم تقويضهم عن طريق التعقيدات العسكرية الخارجية.

جدير بالذكر أن الهزيمة الكارثية لطموحات الإمبراطورية الواسعة في فيتنام (كبناء الدولة، وما إلى ذلك) قاد إلى عصر التقشف والتوحيد، بخلاف “الحروب الصغيرة الباهرة” في غرينادا وبنما ودعم الوكلاء مثل الكونترا، كما كانت الثمانينات عبارة عن سنوات لدبلوماسية الحرب الباردة وليس التوسع الإمبراطوري.

وكذلك تم منح الرئيس الجمهوري ريغان مطلق الحرية في أن يكون صانعًا للسلام، ويقوم بالإشراف على التآكل القاتل للاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة الطويلة والمكلفة، وكان الرئيس بوش الأب زعيم الحذر للحرب الباردة، والذي كان يحرص على عدم التفريط في ما بعد الاتحاد السوفيتي، فيما كان الروس قلقين من الوصول إلى المستنقعات المتواجدة حتى في العالم أحادي القطب الجديد التابع لسلطة الولايات المتحدة التي لا تضاهى.

إن عصر الحرب الساخنة الوحيدة، وعاصفة الصحراء، قد تم فيه استعادة الكويت ولكنه ترك صدام حسين متوليًا لسلطة العراق، وكان بوش وحاشيته (والدولة العميقة التي يمثلونها) يضعون في اعتبارهم الدروس المستفادة من فيتنام، والمتمثلة في الوصول إلى الإمبراطورية التي تقود إلى الفشل المكلف والمطول في بناء الأمة باسم تصدير الديمقراطية.

وعلى الرغم من الفهم السيء من قبل الجمهور، فعاصفة الصحراء لعبت على نقاط القوة العسكرية الأمريكية، كالصراع عالي الكثافة مع القوات المكثفة، وحرب المناورات باستخدام المدرعات الثقيلة المحمية من قبل التفوق الجوي المطلق، وساعد في ذلك التقرب من القواعد الحليفة ومجموعات حاملات الطائرات. يذكر أنه إذا قمت بإعداد حرب مثلى لنقاط القوة العسكرية الأمريكية، فالأمر قد يبدو مشابه كثيرًا لعاصفة الصحراء، ولا عجب أنها كانت واحدة من أكثر الانتصارات غير المتوازنة في التاريخ.

كما أن نهاية الحرب الباردة والنصر في العراق ترك الجمهوريين بدون أجندة الصيد الخاصة بهم والدافع السياسي الرئيسي، وقامت حركة حزب روس بيروت الثالث بتسليم الرئاسة بشكل فعال إلى الديمقراطي بيل كلينتون.

وكان كلينتون قد منح ازدهار في الاقتصاد المحلي وأرباح للسلام في نهاية الحرب الباردة، ويقال إنه على الرغم من اشتياق كلينتون لأزمة كبيرة يمكنه استغلالها من أجل تلميع مكانته في كتب التاريخ، ولكن للأسف لم يحدث شيء، وانتهى القرن الـ20 بغياب التهديدات الوجودية للولايات المتحدة أو حتى المصالح الأمريكية.

إن النجاح الذي لا يصدق لعاصفة الصحراء وإغراءات السلطة الأحادية، ولد عقيدة إمبراطورية توسعية ومناضلة وحماس الدولة العميقة لاستعراض قوة أمريكا التي لا تضاهى، ما هو أفضل مكان لوضع تلك العقائد تحت التدريب سوى العراق، والتي تعد شوكة في ضلع الإمبراطورية منذ عاصفة الصحراء في عام 1991. وللأسف، كان بوش وزمرته من المحافظين الجدد لديهم القليل من الفهم للحدود والمقايضات الخاصة بالتكتيكات والاستراتيجيات العسكرية، وأخطأوا في تعظيم عاصفة الصحراء وتفوقها العالمي على أي من أو جميع الصراعات.

ولكن كما هو معروف بالنسبة لقدامى المحاربين في فيتنام، وفي الحروب قليلة الحدة المنتشرة والمقاتلين غير النظاميين؛ فالوضع مختلف بشكل لا بأس به، بالإضافة إلى السياسة المتغيرة للسنة والشيعة، والولاءات القبلية والدول الفاشلة، ووعاء ما بعد الاستعمار الذي يملأه الاستياء والمنافسات، وفوق كل ذلك العراق وأفغانستان، وهما مستنقعات تجاوزت بالفعل تكلفة ومدة مستنقع فيتنام.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي وخلال 25 عامًا بعد حرب فيتنام، كانت الدولة العميقة مرة أخرى تعشق التوسع والحروب الساخنة والعزو وبناء الأمة، وفي خمسة عشر عامًا، على الرغم من العلاقات العامة التي لا نهاية لها للمحافظين الجدد وقعقعة السيوف، قامت العناصر الأكثر ذكاء والأكثر مهارة للدولة العميقة بالتخلي عن التوسع والحروب الساخنة والغزو وبناء الأمة.

وهناك وجهات نظر تشير إلى وجود تشابه بين الإسهامات التاريخية للعصر الحالي للولايات المتحدة والعصر الروماني وما بعده، عندما أدى التخطيط للغزو التوسعي لمنطقة الدانوب في وسط أوروبا إلى هزائم وتمردات عسكرية، والتي استغرقت سنوات من القتال بالصبر والدبلوماسية لقمعها.

هذا ما يقودنا إلى هيلاري كلينتون ودونالد ترامب.

إن الرئيس أوباما، والذي يعد اسميًا ديمقراطي ليبرالي، قد انتهج النهج التوسعي للمحافظين الجدد التابعين لبوش، مع فارق أساسي وهو اعتماد أوباما على الوكلاء وهجمات الطائرات بدون طيار أكثر من اعتماده على “القوات البرية”، ولكن المستنقعات في العراق وأفغانستان لم تستمر فقط، بل توسعت تحت نظر أوباما داخل سوريا وليبيا.

يذكر أن حرب الطائرات بدون طيار وحرب الوكالة تعد أكثر إغراء من الاجتياح الكامل، حيث أن الخسائر الأمريكية متواضعة والمسؤولية عن الفشل يتم تفاديها بسهولة، وللأسف، فتحقيق طموحات الإمبراطورية عبر وكلاء لديهم مجموعة من الحدود والمقايضات، تجعل الحروب بالوكالة تحصل على النتائج المرجوة في ظل ظروف محددة للغاية.

لقد قام الديمقراطيون باصطياد الجمهوريين لمدة ثماني سنوات، والدولة العميقة في حالة من الفوضى، وكانت هناك كتابات تتعلق بهذا الأمر لعدة سنوات حتى الآن.

وفي مارس من عام 2014، كتب على سبيل المثال: “عندما نتحدث عن الدولة العميقة، فهذا يفترض أن النخبة الحاكمة تكون متجانسة بشكل عام، حيث يكون لها عقل واحد، إن جاز التعبير، وتكون موحدة في النظرة والاستراتيجية والأهداف”.

وهناك وجهات نظر تقول، إن هذا تبسيط لساحات التغيير المستمرة لنماذج السلطة السياسية بين عدد من الفصائل والتحالفات داخل الدولة العميقة.

جدير بالذكر أنه حتى الدولة العميقة تحكم فقط بموافقة المحكومين، والعناصر الأكثر حكمة للدولة العميقة تعيد تذكيرنا بكيفية تقسيم حرب فيتنام الأمة إلى اثنين وتسببها في تفاقم الاضطرابات الاجتماعية، وتلك العناصر تعترف بأن أمريكا تعاني من التوسع الإمبراطوري والمستنقعات والحروب بالوكالة ومصير بناء الأمة.

إن هذا الإرهاق المبالغ فيه يسهم في العديد من أوجه الشبه مع أمريكا في عام 1968، وفي ظل هذا الرأي المطول في التوسع الإمبراطوري والهزيمة والتقشف، تجتاز كلينتون حصن الفشل في التوسع والحروب بالوكالة، إذ أن قدرتها على اصطياد الجمهوريين لا جدال فيه، وهذه تعد أحد مشكلاتها. وعندما يشعر المحكومون بالتعب من التوسع الإمبراطوري، يكونوا على استعداد لاغتنام الفرصة فقط للتخلص من الوضع التوسعي الراهن، وفي هذه المرحلة من التاريخ، تجسد هيلاري كلينتون الوضع الراهن، والاختلافات في السياسات بينها وبين إدارة أوباما تعد ورقة رقيقة، تدل على أنها تمثل الوضع الراهن.
يذكر أن المحكومين على استعداد لاستقبال فترة من التقشف والتوحيد والحلول الدبلوماسية للنزاعات التي لا يمكن الفوز بها.

ولهذه الأسباب، فالعناصر الأكثر مهارة للدولة العميقة ليس لديها خيار سوى تفريغ هيلاري، حيث أن الإمبراطوريات لا تسقط فقط من خلال الهزيمة في الحرب مع الأعداء الخارجيين، ولكن أيضًا من خلال التخلي عن أعباء الإمبراطورية التوسعية من قبل السكان المحليين. وبعبارة أخرى، الطائرات بدون طيار والوكلاء لا يقومون بدفع الضرائب.

ديلي ريكونينج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى