مع انهيار الهدنة السورية

عندما نشرت “ليز سلاي” من صحيفة Washington Post مقالتها الأخيرة المضللة و المتحيزة، تحت عنوان ” هجوم عنيف على حلب يفترض احتمال كون الولايات المتحدة مخطئة فيما يتعلق بسوريه”، تعمدت أن تمنح الانطباع بأن الولايات المتحدة سعت نحو السلام في سوريه، و لم تتطرق إلى ما كان اعترافات علنية من قبل الولايات المتحدة حول نيتها ،منذ سنوات قبل بدء الصراع ،إسقاط حكومة دمشق و أن تستخدم من أجل تحقيق ذلك متطرفين طائفيين مدربين من قبل السعودية حليفة الولايات المتحدة.

و لا هي ذكرت بأن ما يسمى مقاتلين “معتدلين” يحاربون في سوريه مرتبطون مباشرة منذ زمن بعيد بمنظمات مصنفة إرهابية ، تضم النصرة مع الكثير من المجموعات التي تقف تحت راية القاعدة قبل بدء الهجوم الواسع ضد مدينة حلب شمال سوريه، المعركة التي لا زالت مستمرة حتى الآن.

سلاي و صحفيون آخرون في المؤسسة الإعلامية الغربية اعتبروا قيام الطائرات السورية و الروسية بشن ضربات جوية عبر حلب إخفاق لما يسمى الهدنة السورية، الهدنة التي شنت الولايات المتحدة خلالها هجوما متقنا على القوات السورية في مدينة دير الزور الشرقية ، مانحة “بالصدفة” الفرصة لقوات الدولة الإسلامية (داعش) من أجل التقدم و وضع يدها على منطقة إستراتيجية… إنها أيضا الهدنة التي رفضت الميليشيات المسلحة احترامها ، بما فيها مجموعات مسلحة و مدعومة علنا من قبل الولايات المتحدة و حلفائها.

إذن القصف الحالي في حلب ليس “إخفاقا” في محاولات الولايات المتحدة لأجل وقف إطلاق النار، و إنما هو إخفاق في محاولات الولايات المتحدة الرامية لاستمرار حرب مدمرة تهدف لتغيير النظام تحت قناع التوسط من أجل الهدنة.

و قد أقرت الإدارة الأميركية نفسها بأن النصرة ، و هي منظمة مصنفة إرهابية من قبل الإدارة الأميركية، تعمل حول حلب. و في نيسان من هذا العام ، نشرت Business Insider مقالة تحت عنوان ” وزارة الدفاع تملك خطا جديا لمساعدة بوتين و الأسد في سوريه” و جاء فيها:

( سؤل الكولونيل ستيف ورنير من الجيش الأميركي، و المتحدث باسم العمليات العسكرية الأميركية ضد داعش في العراق ، حول ما إذا كانت الضربات الجوية في حلب، و هي مركز الأحداث الحالية في الحرب، تعني بأن موسكو تستعد لإنهاء اتفاق وقف القتال بين القوات الحكومية و المعارضة الموقع في 29 شباط. و قد أجاب ورنير بأن الأمر معقد لأن النصرة تسيطر على حلب و هي ليست جزءا من الاتفاق).

وقف إطلاق النار أم لا….. الولايات المتحدة وسورية و روسيا اتفقت بأن النصرة ، إضافة إلى منظمات أخرى مصنفة إرهابية، لن يشملها الاتفاق، و هذه الحقيقة ذكرتها الولايات المتحدة نفسها كتبرير عن شنها ضربات جوية ، بما فيها تلك التي على دير الزور، خلال الهدنة المفترضة.

و في الواقع انهيار الهدنة أمر متوقع و يتعلق بمشكلة مصداقية الولايات المتحدة في سورية و حول العالم، إنها دولة تتكشف دوافعها و أهدافها بسهولة أمام قطاع كبير متزايد من الرأي العام العالمي الذي يقف في الجهة المغايرة لخطابها الأخرق و المتناقض.

لا يمكن حل الصراع السوري عبر اتفاقيات سياسية مخادعة يتوسط فيها طرف يرمي فقط إلى تحقيق هدفه المعلن و هو “تغيير النظام” و “تقسيم” دولة ذات سيادة. و لهذا فإن مصير سوريه سوف يحسم في أرض المعركة وسط الصراع بين كلام أميركا السياسي المتلعثم و بين حقيقة الجيش السوري و الروسي و الإيراني عندما يواجه الولايات المتحدة و تحالفها العسكري و الاقتصادي و السياسي متعدد القوميات الذي يسعى لتمزيق و تدمير سوريه.

خلال تقييمهم للاحتمالات المستقبلية لهذا الصراع ينبغي على المحللين السياسيين ،و كذلك الفضوليين، الانتباه جيدا لحجم و ترتيب القوات على الأرض، و على القوة السياسية و الاقتصادية و اللوجستية للاعبين الخارجيين المؤثرين على أرض المعركة، و الخطاب السياسي لكل طرف معني، و أن يتركوا التحليل الدقيق لاتفاق الهدنة ذي الرعاية الأميركية للمحللين السياسيين الغربيين الساعين إلى تسخيف نقاط أساسية في الرواية الغربية المتعثرة و الملفقة و الغامضة.

مجلة New Easter Outlook الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى