مؤتمر أوروبي يبحث عن بديل لحل الدولتين … هل تغيّر أميركا سكة المفاوضات؟ (وسيم ابراهيم)
وسيم ابراهيم
لم يسعف قاموس اللغة السياسية الممثل الاوروبي لعملية السلام. تاريخ من سنوات الفشل يجعل حتى العبارات البسيطة والاكثر شيوعاً تصيب الهدف الخطأ. كان أندرس رينك يهزأ مما يكتب في الصحف، ويعتبره تكهنات لمتشككين وجاهلين بالخفايا. أكد بابتسامة ساخرة أن «المفاوضات لا تزال تسير على الطريق». ولكن أي طريق؟ ليس هناك إلا ذاك المسار التاريخي، وكان دائماً في اتجاه واحد قاد إلى الفشل، والمزيد من التعقيد المانع لتقدم مستقبلي.
لذلك، وجد بعض المشاركين في مؤتمر نظمه البرلمان الاوروبي حول «نماذج بديلة» لانجاز السلام، أن عبارة «على الطريق» تخدم تشككهم. وقال أحدهم «يمكننا أن نكون على السكة، ولكن نسير إلى الخلف».
أقيمت جلسات المؤتمر على مدار يومي الأربعاء والخميس الماضيين، بحضور مسؤولين وباحثين اوروبيين وفلسطينيين واسرائيليين. بدا الممثل الاوروبي مرتاحاً لمردود السرية المحيطة بالتفاوض، إلا أن ذلك لم يمنعه من رسم معالم المشهد العام: الأمر يشبه سباق الدراجات، والمفاوضون لا يزالون في المنطقة السهلية، يشارفون على الوصول إلى التلال، وهنا سيكون التحدي، أي «إذا عبروا التلة الاولى، ستأتي الثانية والثالثة وهكذا». أما التلال فهي القضايا الاساسية: الحدود، القدس، المستوطنات وحق العودة.
كل شيء يدور الآن حول انقاذ حل الدولتين، ولكن الأولوية لإنقاذ «الدولة اليهودية». وحول ذلك لفت الممثل الاوروبي إلى أنهم أول من قرع جرس الانذار، وقال «لقد رفعنا الراية الصفراء، وإذا لم تحدث المفاوضات سنفقد فرصة امكانية تحقيق حل الدولتين».
ولكن سفيرة فلسطين في بروكسل ليلى شهيد تساءلت بارتياب «إذا كان لدى حل الدولتين أي فرصة للنجاة، الآن ولاحقاً». وبالنسبة لها، فإن «الاخطر» ليس ما يحدث داخل غرف التفاوض، بل «الواقع على الارض»، في إشارة إلى إعلانات الاستيطان المتواصلة.
وخلال هذه الجلسة، وجدت شهيد نفسها تتدخل مرتين لمساعدة السفير الاسرائيلي لدى الاتحاد الاوروبي ديفيد والتز، بعدما ارتبك ولم يعرف كيف يشغل الميكرفون. ضحك الحاضرون من مفارقة حاجة الاسرائيلي للفلسطيني ليصبح صوته مسموعاً.
ومن جهته، قال والتز إنه «لا بديل عن حل الدولتين بالنسبة لغالبية الاسرائيليين». ومن دون الخوض في التفاصيل، جعل من الواضح للجميع أن التفاوض يدور الآن حول «تبادل للأراضي».
لم تجد شهيد صعوبة في السخرية من «العاطفة» التي تحدث بها الاسرائيلي عن حل الدولتين، ولا من احراجه عندما ذكرته بأن الاستيطان يجعل هذا الحل غير ممكن. ولكن إزاء حديث الجميع عن وقائع الاحتلال، لم يجد الاسرائيلي مانعاً من توجيه اهانة مغلفة بالشكوك السياسية، والقول «لا نعرف من يمثل محمود عباس». إلا أنه قدم في المقابل معرفة بدت كافية للذهاب معه كطرف مفاوض، مردداً بأن ما يعرفونه هو أنه «لا يحلم بالعودة إلى قريته في صفد»، أي تخليه عن حق العودة.
وكما هو معتاد، فإن الاتهامات توجه إلى السلطة الفلسطينية مع بداية أي مفاوضات، وكان آخرها موافقتها على التساهل بعدم وضع وقف الاستيطان شرطاً للتفاوض.
ولكن رئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني عبد الله عبد الله نفى تلك الاتهامات في حديث إلى «السفير». وقال إن السلطة حصلت على تعهد من كيري بأن «الاستيطان سيتباطأ في الكتل (الاستيطانية) وسيتوقف في خارجها»، وأنها قبلت بذلك «على أساس أن الحدود بالنتيجة تحل موضوع الاستيطان».
وبرأي عبد الله، ليس هنالك أوهام، ولا يتوقع أن تأتي المفاوضات بنتيجة، والتعويل فقط على ضغط أميركي يلزم الاسرائيليين، كما حدث في مرات سابقة. وهو بدا واثقاً من أن التنازل الفلسطيني غير مطروح، حيث أنه «لا امكانية للمساومة على حقنا».
مرت ثلاثة أشهر من المفاوضات التي حددت مهلتها بتسعة أشهر. والجميع يجد نفسه أمام السؤال: ما الذي استجد ويمكن أن يحرك تفاؤلاً هذه المرة؟ والجميع يردد، بطريقة أو بأخرى، ان المحرك هو الدور الاميركي.
من جاء من وراء المحيط الاطلسي للمشاركة في المؤتمر أكد أن هناك تغيرا في واشنطن، حيث أن مندوبي بعض مراكز الدراسات المعنية بالقضية قالوا إن الادارة الاميركية تنطلق من أن حل الدولتين هو من مصلحتها، بعدما أدركت أن استمرار الصراع أضر بعلاقاتها وآخّرها في انجاز ما تريده.
ولكن المسؤول في السلطة الفلسطينية، وبرغم تأييده هذا التقدير، تخوف من عدم وجود «سند قوي» يدعم جون كيري باستثناء البيت الابيض.
ولكن بالنسبة لآخرين فإن الجديد هو انتهاء صلاحية القديم. هذا ما أكده لـ«السفير» وزير خارجية النروج السابق ورئيس لجنة المانحين لفلسطين ايسبن بارث إيد.
وقال إيد إن «الطرفين فهما أنها الجولة الاخيرة، والبديل هو الانهيار. وقد سئم المانحون (للسلطة الفلسطينية) من الدفع سنة بعد أخرى لقضية لا تتحرك». إلا أنه أوضح «لن أقول أن الفشل سيشكل نهاية لعملية السلام، لكنه سيكون نهاية لفرص حل الدولتين، وعندها يجب الانتقال إلى العمل على مشروع الدولة الواحدة. وهذا ما لا يريده الاسرائيليون بشكل خاص، لأنه يلغي الدولة اليهودية».
ولا تريد اسرائيل أيضاً رفع المانحين أيديهم، لأن هذا يجعلها ملزمة بتعويض دورهم، بحسب المسؤول النروجي.
هل هناك نماذج بديلة يمكن البناء عليها لحل الصراع؟ وجد البعض في نموذج الاتحاد الاوروبي منفذاً ممكناً، وهو نوع من السيادة المشتركة على أساس عدم التمييز بأي شكل، بعد «مصالحة تاريخية».
وتحدث آخرون عن البحث في فكرة وجود أقليات متساوية في المواطنة والحقوق، من ضمن اتمام حل الدولتين، أي أقلية فلسطينية في دولة اسرائيلية، والعكس أيضاً.
ولكن جميع البدائل كانت تدور في فلك واحد: عدم امكانية ايجاد أي حل مستدام مع بقاء التمييز والظلم بحق الفلسطينيين. هذا ما جعل رئيس إحدى الجلسات يتساءل «لماذا نتحدث عن هذه النماذج والمساواة كبدائل، بينما يجب أن تكون الخيار الاساسي؟».
صحيفة السفير اللبنانية