واشنطن ترفع «قميص الرقة»: الخداع الأكبر!

الانتباه الغربي المتعاظم بالأمس بمدينة الرقة السورية يشير في مضامينه الى ما هو أبعد من تخليصها من قبضة ابو بكر البغدادي. سلسلةُ التصريحات الغربية و«الأطلسية» تقول في ما تقوله، إن سوريا مناطق نفوذ، بات بالإمكان المجاهرة بتحديد خرائطها من دون حرج أو مواربة.

وبينما يواصل الأتراك تقدمهم في الشمال السوري، أعلن حلف شمال الاطلسي (الناتو) أن طائراته «الأواكس» تقوم بالفعل بمهمات استطلاع لصالح المعركة على الإرهاب في الساحتين العراقية والسورية. يذهب الأميركيون الآن للحديث عن «اكتشافهم» الجديد، بأن معركتي الموصل والرقة متداخلتان! وعن خطوات لعزل المدينة السورية. وقد يبدو تصريح آشتون كارتر طبيعياً، طالما أن أصغر جندي من دمشق الى بغداد، يدرك حقيقة هذا التداخل بين الساحتين منذ غزوة الموصل قبل اكثر من عامين، لكن ان يبوح بها وزير دفاع الولايات المتحدة الآن، يعني ان واشنطن توجه رسائل تطبيقية لهذه «البديهية» العسكرية.

ولعل اولى هذه الرسائل تلك التي قيلت بوضوح، اذ قال الوزير الاميركي إن روسيا «لن تشارك في عملية التحالف في الرقة»، وهو يعني ضمناً أيضاً إقصاء الجيش السوري عن حقّه في استرداد المدينة السورية.

ومن الطبيعي القول إن الرسالة الثانية من هذا الحديث الاميركي ـ الفرنسي ـ «الاطلسي» عن اهمية تداخل ساحتي القتال في الموصل والرقة، وخطورته، تشير مجدداً الى ادراك خصوم دمشق وموسكو، الى اهمية الامساك بالحدود بالسورية العراقية لضرب التواصل الجغرافي المحتمل من ايران الى العراق وسوريا، وصولاً الى لبنان.

كما تحمل التصريحات الغربية إقراراً متنامياً بتوزيع خريطة مناطق النفوذ السوري عندما يقصى السوري والروسي عن معركة الشرق السوري، ويشرّع «التحالف الدولي» لنفسه خوضها، وتحديد القوى الممكن لها المشاركة فيها، فيما يتقدم التركي في الشمال السوري ملوّحاً بعملية غزوة مشابهة في الشمال العراقي، بالترافق مع حملة تهويل من مشاركة حاملة الطائرات الروسية «الأميرال كوزنيتسوف» في حسم المعركة في حلب.

لكن اكثر ما يثير الريبة في الموقف الاميركي والحديث عن الرهان على قوى محلية لتحرير الرقة، أن الولايات المتحدة تدرك حتى الآن انها تفتقر الى القوات الكافية للعمل على الأرض من اجل منازلة حاسمة مع «داعش» في الشرق السوري. وبينما لا تزال قوات «قسد» قاصرة، او عاجزة، عن فتح معركة واسعة في الشرق، برهنت عمليات التجنيد السخية التي بذلتها واشنطن بين ابناء العشائر وغيرهم في اطار ما يسمى «جيش سوريا الجديد»، عن فشل مرير، تجلى بأوضح صوره في عملية الإنزال الكارثية التي وقعت في مدينة البوكمال في حزيران الماضي، في محاولة جديدة للامساك بمقاليد السيطرة على الحدود السورية مع العراق، من دون نجاح يذكر.

لكن المفاجأة الحقيقية بالأمس جاءت من الجهة المقابلة من الساحة العراقية. «الحشد الشعبي» في العراق، اعلن انه جرى تكليفه بتحرير مدينة تلعفر الحدودية، وهي خطوة في ما لو تحققت، من شأنها إلحاق الأذى بخطط المراهنين على دفع رجال ابو بكر البغدادي، للتقهقر من الحاضنة العراقية في الموصل وغيرها، لإعادة التموضع في نواحي الشرق والبادية في سوريا، بما قد يساهم في «استثمارهم» لاحقاً في استنزاف الجيش السوري والحلفاء من الروس والإيرانيين و «حزب الله».

فقد أعلن المتحدث باسم «عصائب اهل الحق» (ابرز فصائل الحشد الشعبي) الشيخ جواد الطليباوي أن قوات «الحشد» كُلِّفت استعادة السيطرة على بلدة تلعفر ومنع إرهابيي البغدادي من الفرار غرباً باتجاه سوريا، وعزل الموصل بشكل كامل عن سوريا، مضيفاً: «نتوقع ان تكون المعركة صعبة وشرسة لأنها تحاول قطع الجهة الغربية ومنع هروب الدواعش وتمزيق اشتاتهم».

وأوضح الطليباوي أنه «إذا ضغطت المحاور الأخرى فإنهم (داعش) سيلجأون الى الغرب باتجاه سوريا التي تشترك مع الموصل بحدود طويلة وشاسعة»، مؤكدا انه «سنحول هذا المحور الى صيد للدواعش».

الغرب والرقة

وبعد يومين على زيارته الى العراق، أعلن وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر في باريس، بدء الاستعدادات لعزل الرقة، معدداً الانتصارات ضد «الجهاديين» التي تحققت في منطقة الرقة عبر استعادة «قوات سوريا الديموقراطية ـ (قسد)» التي تدعمها واشنطن لمدينة نبج في آب 2016.

وتساءل الوزير الأميركي «اي قوة عسكرية ستستعيد الرقة؟ المبدأ الاستراتيجي للتحالف يقول إن هذه المهمة يجب ان تتولاها قوات محلية فاعلة علينا تحديد هويتها والسماح لها بالتدخل»، معتبراً أن «هذا الأمر لا يمكن ان يقوم به سوى اناس يعيشون هنا. لأننا نسعى الى هزيمة دائمة لداعش، ولا يمكن تحقيق هزيمة دائمة عبر قوات خارجية». ولم يتضح ما اذا كان الوزير الاميركي يستثني بذلك تركيا التي لوحت مرارا بتصميمها على المشاركة في معركة الرقة، شريطة استبعاد المقاتلين الاكراد من المشاركة فيها، ما يعني فعليا ابعاد «قسد» المدعومة من الأميركيين.

وكان كارتر قد اكد يوم الأحد الماضي من اربيل «أننا نريد ان نرى بدءاً لعملية عزل الرقة بأسرع وقت ممكن، ونحن نعمل مع شركائنا على الأرض في سوريا من اجل ذلك»، موضحاً انه «سيكون هناك بعض التزامن بين العمليتين (الرقة والموصل)»، مضيفاً ان «فكرة التزامن هذه شكلت جزءاً من تخطيطنا منذ فترة».

وشدّد الوزير الأميركي على أن روسيا «لن تشارك في عملية التحالف في الرقة»، قائلاً «نحن نعمل على تفادي الصدام بين عملياتنا والعمليات الروسية في سوريا من خلال قناة عسكرية ـ عسكرية مهنية جداً بين الجانبين. هذه القناة تعمل بنشاط بشكل يومي، والكل ملتزم بمهنية عالية من كلا الطرفين».

وأشار كارتر الى «بدء العمل على الأرضية مع شركائنا لعزل الرقة، سيكون هناك تزامن (مع الموصل). هذا جزء من خططنا، ونحن متحضرون لذلك»، مشيراً إلى وجود قوات سورية محلية «قادرة ومتحمسة» ستقود المعركة. وقال في هذا الإطار «نحن نعمل على توليد «القوات المحلية».

وبدوره، أشار نظيره الفرنسي جان ـ ايف لودريان أمس، إلى «تلازمٍ» بين العمليات المقررة في العراق وسوريا، من دون ان يحدد جدولاً زمنياً واضحاً.

وترأس الوزيران في باريس اجتماعا ضم ثلاثة عشر وزير دفاع يمثلون ابرز دول «التحالف» لعرض سير الهجوم على الموصل في العراق ونتائجه والمراحل التي ستليه. وقال لودريان «بالنسبة الى الموصل، فإن الأمور حتى الان تسير في شكل مطابق لما خططنا له»، مكررا ان المعركة ستكون «صعبة».

وفي ما يتصل بسوريا، قال إنه «كما الموصل، تشكّل الرقة هدفاً استراتيجياً وتظل بالتأكيد محور اهتمامنا».

من جهته، دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الثلاثاء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش» في سوريا والعراق الى «استباق تبعات سقوط الموصل» في شمال العراق، محذرا بصورة خاصة من «عودة المقاتلين الاجانب» الى بلادهم او انكفائهم الى سوريا.

«الناتو»

وتزامناً، مع التصريح الأميركي، أعلن الأمين العام لـ «حلف شمال الاطلسي» يانس ستولتنبرغ امس، أن طائرات «اواكس» الاستطلاعية التابعة للحلف قامت بأول مهمة لها دعماً للتحالف ضد «داعش». وقال ستولتنبرغ ، إن «الحلف نفسه يقدم الآن دعماً مباشراً بطائرات اواكس الاستطلاعية» مشيرا الى ان اول الطلعات جرت في العشرين من تشرين الاول الحالي، أي يوم الخميس الماضي.

وبعدما اشار الى أن الحلف «ملتزم بدعم عمليات التحالف لهزم تنظيم الدولة الاسلامية بشكل نهائي»، أكد رغم انه لا يستطيع الافصاح عن دور تلك الطائرات بدقة، الا انها «لن تشارك في العمليات القتالية».

من جهة اخرى، أعرب الأمين العام لـ «الناتو» عن قلقه بشأن احتمال استخدام الطراد الروسي «الأميرال كوزنيتسوف» المتوجه إلى سواحل سوريا لتوجيه ضربات إلى حلب.

وقال ستولتنبرغ إن الناتو يتابع حركة مجموعة السفن الحربية الروسية الحاملة للطائرات «بشكل اعتيادي ومسؤول»، مشيرا إلى أن هذه المرة ليست الأولى التي يتوجه «كوزنيتسوف» فيها إلى البحر المتوسط، إلا أن المجموعة هذه «من المحتمل أن تستخدم هذه المرة لتعزيز قدرات روسيا في إجراء عمليات عسكرية في أجواء سوريا وزيادة الضربات الموجهة إلى حلب»، معتبراً ان «ذلك يثير المزيد من المسائل حول تصريحات الجانب الروسي بشأن استعداده للعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة السورية»، داعيا «القيادة الروسية إلى وقف قصف حلب وتنفيذ الهدنة والمساهمة في البحث عن حل سياسي».

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى