نوافذ للحوار| وزير خارجية العراق يروي لـ”الحياة” محطات من تجربته على خط الزلازل (3) (حاوره: غسان شربل)
حاوره: غسان شربل
لم تكن مهمة استعادة علاقات العراق بالدول العربية سهلة. اتهم النظام الذي ولد في أعقاب إطاحة صدام حسين بالرضوخ لإرادة المحتل الأميركي ثم بالرضوخ لإرادة الجار الإيراني. كان على وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن يزور العواصم القلقة أو المترددة وأن يشرح ويوضح ويطمئن قدر ما يستطيع. وخلال تلك الزيارات واللقاءات العربية نسج زيباري شبكة واسعة من العلاقات مع نظرائه ومع عدد من القادة العرب. سألته «الحياة» عن بعض المواقف والمحطات وهنا نص الحلقة الثالثة:
> كيف كان موقف الرئيس المصري السابق حسني مبارك؟
– الرئيس حسني مبارك كان من الأشخاص الذين يكنون لي المودة، وهو الوحيد بين الرؤساء العرب الذي كان يلفظ اسمي الأول صحيحاً تماماً وكنا دائماً نتبادل النكات. وكان لديه خوف من الأميركيين وكان ينبهني منهم دائماً قائلاً: ليس لديهم لا دين ولا رب ولا أمان معهم ويبيعون أصدقاءهم بسهولة «زيّ المَيَّة». وكان يعطي برويز مشرف مثالاً فهو الذي لم يترك أمراً إلا ونفذه لبوش وفتح بلده للأميركيين فما كان منهم إلا أن تخلوا عنه بسهولة. وكان مبارك دائماً ينصح ألا نعتمد على أصدقائنا الأميركيين بل أن نعتمد على أنفسنا وعلى قواتنا وعلى جيشنا، وكان من محبي العراق. كان طياراً عسكرياً ورابط في قاعدة الحبّانية في غرب العراق وله تجربة في البلد. وقال إن العراقيين عندهم الأكراد والعرب والشيعة والسنة بينما المصريون لا تحسس لديهم فالجميع مصريون.
كنت ألتقي الرئيس مبارك عند وجوده في شرم الشيخ ويسأل عن أوضاعنا وعن الإيرانيين والنفوذ الإيراني. فكنت أقول له يا فخامة الرئيس الإيرانيون موجودون ولديهم سفارة وقنصليات (موظفوها حوالى 120 وهناك العديد وراءهم) ولكن أنتم العرب غير موجودين. أنتم تنتقدون الوجود الإيراني وتقولون إنهم متغلغلون فلم لا تتواجدون؟ وكان الرئيس مبارك منزعجاً جداً من الدور السوري في العراق وكان يقول لي: «إنهم بعثيون ونظامهم دموي لا يقف عند أي حد، والواد ده ويقصد بشار، شايف نفسه ويعطينا محاضرة في كل قمة»، وكان منزعجاً من تدخلاته في كل صغيرة وكبيرة، وقال إن «النظام السوري يعيش على الأزمات»، في لبنان والعراق وفلسطين. وكان قلقاً من الدور السوري في العراق وفي لبنان.
كان مبارك يركز على أن مصر دولة كبيرة جداً وأن العراق يمكن أن يستعيد قوته، كان يعوّل على قوة مصر وقوة العراق، وفي تقديري أنه لم يكن مرتاحاً إلى بعض السياسات الخليجية على رغم المودة الظاهرة.
كان مبارك يحدثني عن أن صدّام بعد الحرب العراقية – الإيرانية حاول إقامة علاقات عائلية جيدة معه وأنه كان يحرص على عدم التفريط بهذا الجيش العربي الكبير وأن يصبح قوة لصالح الأمة العربية. وكان مبارك يصف صدّام بـ «المجنون».
تدهورت العلاقات بين سورية ومصر. وكان الرئيس المصري يقول لي: «أنتم في العراق تعرفون طبيعة النظام البعثي والمخابرات والواجهات». وكان يحذر من «أن علاقات بشار الإستراتيجية مع إيران أعمق وأقوى مما نتصور، في الجيش والمؤسسات والاقتصاد والعديد من المسائل». تابع شخصياً كل طلبات العراق في السنوات الأخيرة، وتم افتتاح سفارة في بغداد وقنصلية في أربيل، وبدأت الوفود المصرية بزيارة العراق وكذلك رجال الأعمال المصريين، وتم منح شركات مصرية عقوداً في قطاعات مختلفة، وكان يدعم هذا الاتجاه بشكل قوي جداً.
أخبرني الرئيس مبارك أنه تولى شخصياً نقل تحذير تركي إلى الرئيس حافظ الأسد في 1998 مفاده أن تركيا ستتدخل عسكرياً في سورية إذا استمرت الأخيرة في إيواء عبد الله أوجلان (زعيم حزب العمال الكردستاني). وأوضح أنه نقل في الوقت نفسه رسالة أميركية حول الموضوع وأن الأسد فضل التخلي عن أوجلان على الدخول في مواجهة مع تركيا.
نصيحة من رفيق الحريري
> كيف كانت علاقتك مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري؟
– كانت علاقة ممتازة وأشهد للتاريخ أنه في سنة 1991 عند الهجرة الجماعية للشعب العراقي وللشعب الكردي، التي أسميناها الهجرة المليونية، إلى تركيا وإيران بعد قمع الانتفاضة توجهنا مع محسن دزائي أحد مستشاري المرحوم الملا مصطفى بارزاني سابقاً، وكان وزيراً سابقاً، إلى السعودية في زيارة رسمية. وهناك طلب الرئيس رفيق الحريري، عن طريق أحد المعارف، لقاءنا وكان لديه زكاة يود التبرع بها فتبرّع بها للشعب الكردي وكانت بحدود مئتي ألف دولار. لم تكن بيننا معرفة سابقة لكنه تأثر بحجم المأساة.
قبل التغيير كانت لدينا اتصالات محدودة معه. عند حدوث التغيير كان الشهيد رفيق الحريري من المتحمسين له ولمسنا ذلك من خلال بعض الاتصالات التي جرت معنا خلال تحركنا المعارض. قال الحريري إنها فرصة لتغيير الوضع وتغيير الأنظمة الاستبدادية التي تراكم ممارسات القمع والفشل الاقتصادي ما يدفع الناس إلى التطرف. وقال إن الناس يجب أن تتمتع بالحرية والديموقراطية والشعب العراقي قاسى جداً من حكم الحزب الواحد. وبعد التغيير وتعييني وزيراً للخارجية كان مهتماً باللقاء بي كلما سنحت الفرصة وفي كل مناسبة. خلال زياراتي إلى السعودية مثلاً كان يطلب مني انتظاره لبضع ساعات يحضر خلالها ونلتقي أحياناً في المطار. وفي إحدى المرات كان لدي زيارة إلى الكويت ولم أتمكن من تأمين طائرة فوضع طائرته الخاصة تحت تصرفي واستقللتها إلى الكويت.
كان الحريري خائفاً جداً من الأجندة الإيرانية والأجندة السورية اللتين تختلفان في العراق، وكان يشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة العراق. وكان ينبهنا إلى أن النظام السوري سيبذل كل ما في طاقته في سبيل تقويض العملية السياسية وكان ذلك سنة 2003 بعد سقوط صدام. كذلك كان ينبهنا إلى ضرورة لفت أنظار الأميركيين وأصدقائنا إلى أخذ دور دول الجوار، وخصوصاً الدور السوري، في الموضوع العراقي باهتمام أكبر. نظريته كانت أن الأجندتين السورية والإيرانية ربما تبدوان متشابهتين لكنهما مختلفتان في التفاصيل. وطلب منا أن نكون فطنين وأن نحاول استغلال الوضع لصالحنا.
وأذكر أنه عندما بدأ الشهيد رفيق الحريري يتحدث في مسألة الاتجاه إلى التمديد لرئيس الجمهورية اللبناني (اميل لحود) وما أحدث من جدل في لبنان وكانت لديه تصريحات في هذا الاتجاه، عُقد المنتدى الإستراتيجي في دبي برعاية الشيخ محمد بن راشد، فدعيت كوني مسؤولاً عراقياً جديداً للتحدث عن الوضع العراقي وكان الجو «ملغوماً» ضد العراق والأميركيين والاحتلال والشعارات. تحدثت بحرية ذاكراً أننا قضينا على الدكتاتورية وأن العراق مقبل ودوره سيكون أقوى. سابقاً كان صدام يتلاعب بالمشاعر القومية ويقول إنه حارس البوابة الشرقية الذي يريد تحرير القدس من خورمشهر أو من الكويت وكان يثير المشاكل في المنطقة. كان رفيق الحريري بين الحضور جالساً في الصف الأمامي ودعاني إلى العشاء، وكنا ننزل في فندق الجميرة حيث تناولنا العشاء في مطعم إيطالي. سألني بالتفصيل عن الوضع في العراق والتحالفات والعلاقة مع الأميركيين وما يريده الأميركيون. وقلت له يا أبا بهاء أنتَ في مواقفك وتصريحاتك ألا تخاف من معارضة من يؤمنون بشطب خصومهم؟. قال لي إنه لا يتصور أن الأمر سيصل إلى حد التصفية الجسدية. قلت له القرار قرارك وبالتأكيد لديك احتياطاتك الأمنية لكن عليك ألا تبالغ في الطمأنينة. وهناك صورة أخيرة جمعتنا من ذلك اللقاء في دبي. عند سماعي بخبر التفجير الكبير الذي استهدف موكبه اتصلت فوراً بمدير مكتبه مستفسراً عن صحة المعلومات فأكدها لي. ثم تواصلنا مع نجله الرئيس سعد الحريري ولدي علاقة جيدة معه.
> حاولت تحسين العلاقة العراقية-السعودية لكنك لم توفق؟
– أثار ما حدث في العراق مخاوف لدى الدول المجاورة خصوصاً أن التغيير كان كبيراً. تولد انطباع لدى القيادة السعودية أن لا دور لنا في صناعة القرار العراقي. التقينا الملك عبدالله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد، والرجل كان يحترمنا لكنه كان يعتقد أن ليست لدينا إرادة وأن هناك مَنْ هو أعلى منا يقرر عنا، وهو يقصد الأميركيين. بعد تعييني وزيراً للخارجية العراقية التقينا في مؤتمر القمة الإسلامي في كوالالمبور في ماليزيا في 2003. طلبنا موعداً وبعض أعضاء مجلس الحكم عن طريق الأمير سعود الفيصل. جرى نقاش حول الوضع في العراق وكانت وجهات النظر متباعدة إذ كان ينظر إلينا كجهة عاجزة عن اتخاذ أي قرار (…).
هناك حادثة ثانية مع الملك عبدالله خلال القمة الاقتصادية في الكويت سنة 2008 حين كانت علاقته مع المالكي فاترة، وحضر القمة وأطلق دعوة للمصالحة وفتح صفحة جديدة وكانت دعوة مهمة ومفاجئة. وكنا في ترتيب الجلوس قرب الوفد السوري حيث حضر بشار الأسد وفاروق الشرع وكان الرئيس جلال طالباني يرأس الوفد العراقي. اقترحت على زميلي وزير المالية باقر بيان جبر الزبيدي، وهو من قيادات «المجلس الأعلى» وصديق وكان سابقاً وزيراً للداخلية، أن نتوجه للسلام على الملك عبدالله فرحّب بالفكرة وسألني إن كان بيننا معرفة سابقة فقلت له نعم. فور توجهنا نحوه وقف مدير المراسم ورحّب بنا وطلبنا منه السلام على جلالة الملك وشكره على كلمته. فوقف الملك عبدالله للسلام علينا ورحب بأهل العراق وسأل عن أحوالنا وقدمت إليه زميلي وزير المالية. فقال الملك عبدالله: ما شاء الله، إذا اتفق وزيرا الخارجية والمالية يسيّران شؤون الدولة. قلت له يا جلالة الملك أنت أجريت مصالحة سعودية – عربية فهل نحن مشمولون بهذه المصالحة فتكون مصالحة عراقية – سعودية أو لا؟ قال، ممسكاً يدي، ممكن لكنكم تعرفون المشكلة (…).
في القمة العربية في الدوحة حاولت أن أرتب لقاء أو مصافحة بين الملك عبدالله والمالكي عن طريق الأمير مقرن بن عبد العزيز لكن المحاولة لم تنجح.
جمعتنا لقاءات عدة مع الملك عبدالله وكان يخشى عدة مسائل: من الأميركيين حول تدخلهم بالقوة لإزاحة نظام، ومن الطرح الذي قُدّم حول النظام الجديد في العراق، وبعد ظهور نتيجة الانتخابات والتوازنات الجديدة بين المذاهب العراقية، ومن ثم بروز الدور الإيراني وتداخله وعلاقاته وأصبح ذلك الهم الأول للجانب السعودي. كان الملك عبدالله يعتبر أن الوضع في العراق غير طبيعي وغير مستقيم ويجب أن نعمل على تسوية الوضع وإعادة التوازن. إعادة التوازن كانت مسألة صعبة جداً لأن القوى الكردية كانت متحالفة مع القوى الشيعية. كان السعوديون يخشون أيضاً تقسيم العراق وأن ينفصل الأكراد عن العراق، وخوفهم من «القاعدة» ومن أن يصبح العراق مرتعاً للإرهاب وللمخدرات. مجموعة من الهواجس كانت تراود السعوديين. رأينا كان مختلفاً وكنا نرد أن الانفتاح على جميع العراقيين لا يجعل أي فريق منهم هدفاً للتأثير الخارجي من إيران أو غيرها. طبعاً معظم القيادات (الشيعية) عاشت في إيران ولها علاقات هناك، وفي سورية، ولكن بعد عودتها إلى العراق أصبحت شريكة في القرار فلماذا نجعلها تصبح مرة أخرى تابعة لقوة أخرى وكنا نشجع على عودة العرب إلى العراق وطمأنة الجميع. وهذا النقاش كان يجري مع الأمير سعود والأمير مقرن والأمير سلطان.
التقيت الأمير سلطان، رحمه الله، عدة مرات كان آخرها عندما عدْته في نيويورك إبان مرضه وسُرَّ بزيارتي جداً. مواقفه من العراق كانت متوازنة جداً وفي إحدى زياراتي له قال أنه يقترح عقد قمة عربية تخصص للعراق لا يبحث فيها أي موضوع آخر ولا حتى فلسطين. قلت له أن هذه ستكون أكبر خدمة تقدمونها للعراق. كان الأمير سلطان متفهماً وإيجابياً ومتابعاً.
> والعلاقات مع البحرين؟
– الملك حمد بن عيسى كان أول ملك عربي التقيته بعد تعييني وزيراً للخارجية في 2003. كان عندنا قضية ديبلوماسية على أساس أن البحرين كانت ترعى مصالحنا مع أميركا فأردنا أن تتحول علاقتنا إلى علاقة مباشرة وكنا بحاجة إلى توقيع مذكرة بهذا الخصوص مع الحكومة البحرينية. طلبت مقابلة جلالة الملك واستقبلني قائلاً أنت وزير خارجية كردي لدولة عربية مهمة، وربما من أهم الدول العربية، ومن خلال خبرتي المحدودة أعطيك نصيحتين: الأولى أن تنسى قوميتك وتعمل للعراق وتمثل مصالحه بتجرّد ونكران ذات، وأنت قدير ولغتك الإنكليزية جيدة وتتحدثها بطلاقة وكذلك لغتك العربية، والثانية أن تلتفت دائماً إلى محدودية الجدية في المواقف والسياسات العربية.
التقيت الملك حمد مرة ثانية عند توجهي إلى المنامة لتسليمه دعوة لحضور القمة العربية في بغداد. أخجلني الملك بإطرائه وثنائه عليّ وقال إنه يتابع عملي وإنني لم أرتكب أي خطأ في خضم هذا الوضع الصعب الذي يعيشه العراق والتحولات السياسية والإقليمية. وقال إن مواقفي متوازنة وحتى حين كانت إيران تطالب بالبحرين كانت لدينا مواقف معلنة أننا ضد هذا وأن هذا لا يجوز. قلت له يا جلالة الملك سأذكرك بأمرين لكنني سأعلن أحدهما فقط، نصحتني في بداية تولي وزارة الخارجية أن أنسى قوميتي وأعمل للعراق بتجرد وكانت نصيحة قيّمة، ولكنني أخاف أن تُحرج من الثانية. فقال قُل، فأضفت أنا اتبعت النصيحة الأولى لكنني لم أتّبع الثانية. فسأل: وما كانت؟ قلت أنكم نصحتموني ألا أراهن على جدية العرب ولكنني أخذتهم على محمل الجد وهذا ما أوصلنا الآن إلى استضافة القمة العربية التي ما كنا تمكنا من استضافتها لولا أننا أخذنا العرب على محمل الجد. وقال لي جلالة الملك حمد هذا صحيح ومعك حق.
الحقيقة البحرينيون كانوا من أكثر الدول العربية تفهماً، وفي جميع الاجتماعات العربية وقفوا موقفاً متميزاً إلى جانب العراق وعملوا على تلبية كل ما يطلبه.
> والعلاقة مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد؟
– أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد من القادة العرب المتميزين والمتمكنين وأعتبره شيخ الديبلوماسية العربية في طرحه وجرأته في القضايا التي يطرحها في المؤتمرات وحرصه على حضورها. في أحد المرات قلت له يا سمو الأمير حتى الآن ما زلتم تقتطعون خمسة في المئة من النفط حسب ما قررت الأمم المتحدة، هل تحتاج الموازنة الكويتية إلى هذا الدخل؟ فما حدث كان في زمن صدّام وصحيح أن هناك التزامات دولية على العراق ونحن نلتزم بها ولكن كبادرة حُسن نية أخوية منك… فقاطعني مازحاً: هل رأيت يوماً شخصاً تصله مبالغ مالية من دون أي عناء ويرفضها؟
أمير الكويت كان من المشككين بجدية الأميركيين في إسقاط صدّام. قبل الحرب كانت مجازفة كبرى للكويت أن تسمح لكل تلك الجيوش بالعبور. ونحن أيضاً في المعارضة كنا نشكك في نوايا الأميركيين ومدى جديتهم. وروى لي الدكتور محمد الصباح، وزير الخارجية الكويتي، كيف كانت الأمور والاتصالات التي جرت قبل الحرب. وقال أن ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي، وفريقه قام بجولة قبل نهاية 2002 على الدول العربية لتهيئة الأجواء بعد اتخاذ القرار بالحرب. وصل تشيني إلى الكويت وسأله الشيخ صباح عن جدية الأميركيين في إسقاط صدّام، وقال إن الكويتيين يتمنون إسقاط صدّام بأي وسيلة فهو اعتدى على الكويت وطالما هو موجود لن يشعر الكويتيون بالأمان. شكك الشيخ صباح بجدية الأميركيين، فقام تشيني بتعديل كرسيه ومجلسه وقال: أنا لست خائفاً من جدية الأميركيين بل أنا خائف على بلدك من أن يغرق تحت ثقل المعدات العسكرية التي ستأتي إليه.
في كل المؤتمرات والاجتماعات كان أمير الكويت من الداعمين للعراق. حتى في مؤتمر سرت كانت المجادلة المشهودة التي جرَت بينه وبين القذافي حين قال له الشيخ صباح: يا أخ معمر أنا لن أغلق الميكروفون قبل أن تعطينا وتعطي العراق وعداً أنك ستحضر قمة بغداد كونك رئيس القمة، فقال له القذافي: الله كريم. وقال الشيخ صباح أنه سيكون أول الحضور سواء حضر الآخرون أو لا. مثّل السعودية في القمة ممثلهم الدائم، والبحرين أرسلت وزير الخارجية وقطر أرسلت ممثلها الدائم وعُمان أرسلت الشخص الثالث في الدولة.
> والعلاقات مع الأردن؟
-أنا أُعتبر نصف أردني كوني درست في الأردن بزمالة دراسية من الديوان الملكي، وكنت ضيفاً على الملك حسين وأنا مدين لهم بالكثير من المسائل وأُعتبر من أصدقاء العائلة المالكة ونتراسل في المناسبات ونتبادل الصور العائلية. التقيت بالملك عبدالله الثاني عشرات المرات، وكنت تمنيت عليه مرة أن يتوسط لنا مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فكان يقول لي: «لم أفلح لكنني سأحاول».
الأردنيون كانوا مترددين بخصوص إعادة فتح سفارتهم في بغداد وإعادة سفير الأردن، ونتائج الانتخابات لم تكن محسومة بعد. اقترحت على المالكي القيام بجولة في الدول العربية كونه لا يزال رئيساً للوزراء لتسيير أعمال الحكومة خلال 2010. توجهنا إلى الأردن وقلت للملك عبدالله مضت سنوات وأنتم تنتظرون تغير الوجوه السياسية العراقية: الجلبي – الجعفري – المالكي – زيباري، لكن هذه الوجوه باقية ولن تتغير، وستكون موجودة في الحكومة الجديدة التي ستُشكل، سواء أحببتم ذلك أم لا، فانفجر الملك عبدالله ضاحكاً.
الملك عبدالله الثاني كان من الداعمين دائماً للعراق، لكن كانت لدينا شكاوى دائمة من سوء معاملة العراقيين، من قِبَل المخابرات الأردنية وفي المطارات. وكان الملك دائماً يتدخل ويساعدنا، وعملتُ جاهداً لمساعدة الأردن عبر منحهم اتفاقية لإعطائهم نفطاً خاماً بأسعار مخفوضة.
المخابرات الأردنية كان لها دور في قتل الزرقاوي، لكن الضربة القاتلة كانت أميركية. الزرقاوي كان نقطة سوداء بالنسبة لسمعة الأردن الدولية إذ كانت كل الصحافة العالمية تصفه بالإرهابي الأردني، وكان ذلك يغيظ الملك عبدالله الثاني جداً، وكان يقول أن علينا أن نعمل سوية للقضاء عليه لأنه لوّث سمعة الأردنيين وسمعة العرب، وكان ذلك أمراً مؤلماً للملك عبدالله الثاني من الناحية الشخصية. قبل قتل الزرقاوي قبض الأردنيون بمساعدة الأميركيين على أحد الأشخاص من مجموعة الزرقاوي كانوا اعتقلوه داخل العراق ونقلوه إلى الأردن. وربما كان هذا الشخص أحد الخيوط التي أوصلتهم إلى الزرقاوي.
الرئاسة والتكاليف
في أحد المرات حضرنا مؤتمر قمة استثنائياً في مكة فرفع الرئيس طالباني يده طالباً الحديث ليعلن عن تبرع الحكومة العراقية بمبلغ عشرة ملايين دولار إلى السلطة الفلسطينية. وكان الرئيس محمود عباس يتصل بي من باب الصداقة مستفسراً عن المبلغ الموعود. وكنت أتابع الموضوع لتأمين التحويل بعد متابعات وطرح الأمر في جلسات مجلس وزراء، وكان التأخير يطول إلى حوالي سنة.
عند رئاستنا للقمة العربية سألني المالكي: هل رئاسة القمة فقط لقب من دون مردود مالي؟ قلت له أن رئاسة القمة لا تتم بـ «بلاش» بل يجب أن تصرف وتَفي. قلت له نحن أحضرنا رؤساء ومسؤولين من جميع الدول العربية وأنت وعدتَ الجميع بالدعم: للفلسطينيين قلت أنك ستدعمهم لأن أمورهم المالية ليست جيدة، ونحن لدينا التزامات وقرارات وعدْتَ بتنفيذها ولم تفعل، وكذلك وعدتَ المسؤولين الجدد من «الربيع العربي» من تونس وليبيا بإطلاق سراح معتقلين لهم في العراق بتهم دخول (غير شرعي) أو إرهاب أو أحكام مخففة ولم تطلق سراحهم، وعدتَ المسؤول الصومالي بإعطائه سلاحاً لقوى الأمن الداخلي ولم تفعل، وعدتَ مسؤول جزر القمر بتنفيذ مشاريع هناك ولم تفِ، ووعدتَ المسؤول الجيبوتي أيضاً.
> أبلغت الرئيس الفلسطيني بالمساعدة التي أعلن عنها الرئيس جلال طالباني؟
– اتصلت بالرئيس محمود عباس وقلت أن لديّ له خبراً جيداً فاستبشر خيراً لأنه لم يكن يسمع أخباراً جيدة في تلك الأيام. أبلغته أن مجلس الوزراء العراقي وافق، بسبب وضعكم المعيشي الصعب ووجود التزامات سابقة ورواتب الموظفين، على أن يساهم العراق بمبلغ 25 مليون دولار. فقال: هل ستتأخر هذه المساهمة كسابقاتها؟ قلت: لا، أنا أضمن أنها ستصلكم خلال أسبوع إلى عشرة أيام، مع السيارات. قال الرئيس عباس: أنت العراقي الوحيد الذي نستطيع أن نتعامل معه ونعتمد عليه في هذه المسائل. أبو مازن متفهم جداً للوضع العراقي. وقال لي خلال اتصال هاتفي بيننا أن عنده صديقنا المشترك بيل بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية. وقال لبيرنز: هوشيار أعطاني خبراً جيداً، أفضل من كل أخباركم عن نتانياهو وهو أن العراق سيدفع بعض المساعدات. الفلسطينيون كانوا متفاعلين مع الوضع العراقي ويقدرون معاناة الأكراد والشيعة على رغم دعم صدّام لهم.