من قلبي سلام لفيروز
في عيد ميلادها الحادي و الثمانين
السيدة فيروز صاحبة الصوت الرقيق العذب , ذاك الصوت الملائكي التي تخطت به الحدود الجغرافية و الزمانية، الذي كان ولا يزال رفيق القهوة الصباحية، و القادرة على شد مسامع المتلقي إلى أغنياتها. هي التي تميزت بحنجرتها الماسية وصوتها الاوبرالي القوي نادر الوجود في الشرق , فقد سجلت تاريخا حافلا في إثراء الغناء العربي المعاصر.
ولدت السيدة فيروز في 21 تشرين الثاني من عام 1935 .
اسمها الأصلي نهاد وديع حداد , ولدت لأسرة متواضعة في إحدى القرى اللبنانية وانتقلت وهي طفلة مع أسرتها إلى بيروت وهناك التحقت بالمدرسة حيث مارست أداء التراتيل والغناء في المناسبات .
كانت البداية لمشوارها الفني من خلال اكتشاف الأستاذ محمد فليفل لها وهو أحد الأخوين فليفل الذين قاما بتلحين النشيد الوطني السوري، و من مؤسسي معهد الكونسرفتوار اللبناني، عندما كان يجوب المدارس بحثا عن مواهب يقدمها لكورس الإذاعة اللبنانية وجاء هذا الاكتشاف من خلال حفلة المدرسة، وذلك في عام1946 .
بدأت دراسة الموسيقى في المعهد الوطني للموسيقى الذي يديره وديع صبرة ملحن الموسيقى الوطنية اللبنانية، ثم انضمت إلى إذاعة لبنان بعد شهور من انضمامها إلى المعهد.
كان لحليم الرومي (والد السيدة ماجدة الرومي ) الدور الأبرز في اكتشاف صوتها وانتقالها للعمل في الإذاعة، كما كان هو من اختار لها اسمها الفني (فيروز) الذي عرفت به لاحقاً كما لحن لها أولى أغانيها، مثل أغنية يا حمام يا مروح، وأغنية بحبك مهما أشوف منك , إضافة إلى أنه كان صلة الوصل الأولى بينها وبين عاصي الرحباني، ثم أخيه منصور الرحباني، حيث شكلوا معاً رقماً صعباً في عالم الموسيقى و الغناء العربي .
كانت انطلاقتها عام 1952 عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني، وكانت الأغاني التي غنّتها لعاصي في ذلك الوقت تملأ كافة القنوات الإذاعية، و كانت أغلب أغانيها آنذاك للأخوين عاصي ومنصور الرحباني الذين يشار لهما دائما بالأخوين رحباني. و في 1955م تزوجت فيروز من عاصي الرحباني، وأنجبت منه زياد ثم هالي ثم ليال وأخيرا ريما.
الظهور الجماهيري الأول لها كان من خلال الدورة الثانية لمهرجان بعلبك عام 1957 الذي أقيم برعاية الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون، و تعتبر الانطلاقة الفنية الكبرى لها.
قدم الأخوين رحباني معها المئات من الأغاني التي أحدثت ثورة في الموسيقى العربية وذلك لتميزها بقصر المدة وقوة المعنى على عكس الأغاني العربية السائدة في ذلك الحين والتي كانت تمتاز بالطول، كما أنها كانت بسيطة التعبير وفي عمق الفكرة الموسيقية وتنوع المواضيع، حيث غنت الحب والأطفال، وللقدس لتمسكها بالقضية الفلسطينية، وللحزن والفرح والوطن والأم.
بدأ الأخوين رحباني وفيروز بتقديم الأعمال المسرحية الغنائية اعتباراً من عام 1962، من خلال مسرحية جسر القمر، ثم مسرحية الليل والقنديل، إضافة إلى أيام فخر الدين المعني، وسلسلة من المسرحيات الغنائية التي تعتبر فريدة بنكهتها في المسرح الغنائي العربي، كما اتجهت إلى السينما بثلاثة أعمال هي فيلم (بياع الخواتم) عام 1965 الذي قدمته أيضاَ كعمل مسرحي ، وفيلم (سفر برلك) عام 1966، إضافة إلى فيلم (بنت الحارس) عام 1967، كما شارك في هذه الأفلام والمسرحيات أسماء لامعة في سماء الغناء مثل: الراحل وديع الصافي والراحل نصري شمس الدين.
مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية ، كانت شعبية فيروز قد وصلت إلى قمتها، حيث قدمت خمسة عشرة مسرحية غنائية من تأليف الأخوين رحباني، تنوعت مواضيعها بين نقد الحاكم والشعب وتمجيد البطولة والحب بشتى أنواعه . كما سجلت أكثر من ثمانمائة أغنية لكبار الشعراء والملحنين، أغلبها بتوقيع الرحابنة، كما برز اسم ابنها زياد الرحباني في بعض الألحان والمقدمات الموسيقية للمسرحيات، لكنها منذ اندلاع الحرب الأهلية توقفت عن العمل حتى عام 1979 حيث أطلقت أغنية وحدن من ألحان زياد الرحباني وكلمات الشاعر اللبناني طلال حيدر كما تعرضت لفاجعتين كبيرتين بوفاة زوجها عاصي الرحباني عام 1986 نتيجة انفجار في الدماغ، ثم وفاة ابنتها ليال عام 1988 ، بعمر ثمانية وعشرين عاماً.
بعد وفاة زوجها عاصي خاضت تجارب عديدة مع مجموعة ملحنين ومؤلفين من أبرزهم فلمون وهبة , وزكي ناصيف، لكنها عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني التي أبرزت موهبته وقدرته على خلق نمط موسيقي خاص به يستقي من الموسيقى العربية والموسيقى العالمية.غنت السيدة فيروز للكثير من الأوطان والشعوب لكن لم تحظ مدينة عربية بمثل ما حظيت به مدينة دمشق من حنجرتها الذهبية , فقد كان لها عشقاً روحياً و جسدياً خاصا, جعلتها تجود بأجمل الأغنيات التي أهدتها لها . و كانت تغني أجمل ما كتبه الرحابنة في عشق دمشق فغنت لكل شيء فيها متأثرة بجمالها و روعة معالمها المشهورة كبردى و قاسيون و الغوطة.
تجاوزت حفلاتها الخمسين حفلة في العديد من الدول العربية والأجنبية , فلم تتوقف شهرتها على العالم العربي و حسب بل أيضا نالت شهرة عالمية , ففي عام 1971 توجهت هي وفرقتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قامت بالغناء على عدد من المسارح وأحياء العديد من الحفلات على أشهر المسارح العالمية منها: في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإنجلترا .
حصدت السيدة فيروز على مدار حياتها الفنية الثرية العديد من الجوائز والأوسمة منها: وسام الشرف وهو أعلى وسام في لبنان، وجائزة القدس، وجوقة الشرف، وغيرها من التكريمات والأوسمة والميداليات التي لا تحصى، فضلًا عن الأفلام الوثائقية التي سردت قصة حياتها وسيرتها الذاتية.
كما نالت عشرات الألقاب لعل أبرزها: سفيرتنا إلى النجوم، جارة القمر، أسطورة العرب، فيروز الأغنية العربية، ياسمينة الشام، ملكة الغناء العربي، عصفورة الشرق، جارة القدس، قيثارة السماء….
واحد وثمانون عاماً مروا، ولا تزال فيروز ذلك النبض الوطني الجامع، و ذاك الصوت الذي يرفض أن يكبر وتلك الأغنية التي تأبى أن ترحل بل الساكنة في القلوب والعقول في كل زمانٍ ومكان.