ترامب والشرق الأوسط: أميركا أولاً

بعد الهدوء النسبي من الصدمة الكبيرة التي أصابت الكثيرين في الولايات المتحدة وحول العالم غداة انتخاب دونالد ترامب رئيسا، يقوم خبراء السياسة الخارجية عبر الولايات المتحدة والعالم بدراسة ما قاله الرئيس المنتخب قبل الانتخابات الرئاسية وفي أثنائها، لعلهم يجدون فيه إشارات الى ما ستكون عليه سياسة واشنطن الخارجية في السنوات الاربع المقبلة.

وبالفعل، فإن المجتمع الدولي يجهل كليا ما ينتظره من وصول دونالد ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة، نظرا الى غياب الخبرة في الشؤون الدولية للرئيس المنتخب ومعظم معاونيه لغاية اليوم. كذلك، يعتقد كثيرون أن ترامب المرشح للرئاسة سيكون هو نفسه ترامب الرئيس.

في غضون ذلك، يجهد خبراء منطقة الشرق الاوسط في تقييم تصريحات الرئيس المنتخب وأقواله عَلّهم يتمكنون من التكهن بما ستكون عليه علاقة ادارته مع كل من دول المنطقة في فترة ولايته. لذلك من الصعب إعطاء توصيف دقيق لاستراتيجيا ادارة ترامب المرتقبة تجاه المنطقة في هذا المقال.

اولا بالنسبة الى إيران: أقر الكونغرس الاميركي منذ أسبوعين تمديد العقوبات المفروضة عليها، وذلك يريح ترامب. لكن، يرى المراقبون لإدارة ترامب العتيدة صعوبة كبيرة في أن تغير كثيرا في اتفاق دول مجلس الأمن الخمس الدائمة العضوية، زائداً ألمانيا، مع ايران بشأن ملفها النووي، الذي أقره لاحقا مجلس الأمن (الامم المتحدة) بالإجماع، وامتنع مجلسا الكونغرس الاميركي عن مناقشته. والمعلوم ان المرشح ترامب قد وعد بإلغاء الاتفاقية هذه، لكنه في مقابلة مع جريدة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، أشار الى أن اوباما أخبره أن الدول الموقعة على الاتفاق لن تتجاوب معه، من ثم ستخسر الولايات المتحدة الأعمال والاستثمارات في ايران لمصلحة الدول الاخرى، ما قد يحمله على إعادة النظر في موقفه من هذا الموضوع.

في ما يتعلق بالسعودية: يرى الخبراء المعنيون بدول منطقة الخليج، أن تلك الدول لا تتأخر في دفع المتوجبات المالية عليها، ولذلك فإن العامل المالي لن يخرّب علاقة واشنطن بها خلال ولاية ترامب، الذي كان قد كرر في اثناء حملته الانتخابية أن على دول الخليج أن تدفع كلفة حمايتها، وإلا فسيسحب القوات الاميركية من الخليج.

لكنّ كثيرين يعتقدون أن توصيف الرئيس المنتخب، خاصة مساعديه ومعظم المرتقب تعيينهم في ادارته، للارهاب على انه إسلامي المصدر، وأن بعض دول الخليج تحميه وتدعمه بالمال، قد يكون السبب الاساس في الخلاف المحتمل بين واشنطن ودول الخليج وخاصة السعودية.

هناك ايضا عاملان أساسيان قد يؤثران سلبا على علاقة واشنطن بالسعودية.

العامل الاول هو أن جمهوريي ادارة ترامب هم غير الجمهوريين الذين ترتاح عادة اليهم الديبلوماسية السعودية. جمهوريو الرئيس المنتخب لا يشبهون جمهوريي الرئيسين جورج بوش الأب او الابن او حتى جمهوريي الرئيس رونالد ريغن.

والعامل الثاني هو خيبة الأمل السعودية التي قد تولد عن عدم قدرة ادارة ترامب على إلغاء الاتفاق الدولي مع ايران او حتى تعديله. في كل الأحوال، على قادة المملكة ان ينتظروا مفاجآت اكثر من التي شاهدوها خلال ولايتي الرئيس باراك اوباما.

في ما يخصّ سوريا: أشاد الرئيس المنتخب مرارا بما يقوم به الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، في محاربة المنظمات الإرهابية وخاصة تنظيم «داعش». وفي حديثه لـ «نيويورك تايمز» أشار ترامب الى ان الرئيس اوباما لا يعمل على إسقاط النظام السوري، بل على محاربة «داعش»، وهذا ما شدد عليه خلال حملته الانتخابية. في هذا الإطار، يرى المراقبون ان الرئيس المنتخب قد ينهي المساعدات الاميركية للمعارضة، برغم ان الحلفاء الأوروبيين يخافون انضمام المعارضة المعتدلة الى المنظمات المتطرفة كـ «داعش» و «النصرة» من جراء ذلك.

وبينما لا ينتظر المراقبون تغييرا مهما لسياسة الرئيس المنتخب المرتقبة تجاه العراق، يعتقد بعض الخبراء انه لن يعطي الاهتمام الضروري لاحلال السلام في اليمن.

بالنسبة الى العلاقة مع إسرائيل: لن تتغير هذه العلاقة مع الرئيس المنتخب. لا أحد ينتظر أن تقوم إدارة ترامب العتيدة بمبادرة اميركية جديدة لإحلال السلام في فلسطين التاريخية، كما ان وعد ترامب للناخبين اليهود بأن ينقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس لن يتحقق، نظرا الى المعارضة القوية لمؤسسات السياسة الخارجية الاميركية.

لم يتطرق المراقبون الى ما قد تكون عليه سياسة ترامب نحو لبنان والأردن. البلدان ليسا على لائحة الأولويات الاميركية، وذلك لا لأن كليهما غير مهم لواشنطن، بل لأنه ليس هناك من قضايا طارئة في البلدين تستدعي انتباه الرئيس الاميركي. ينتظر المراقبون أن تستمر السياسة الاميركية تجاه البلدين من دون تغيير وأن تبقى أهداف واشنطن في البلدين مركزة على تحصين الاستقرار الأمني ومساعدة القوات المسلحة في حربها على الارهاب وتنظيماته.

في اختصار، لن تشهد السياسة الاميركية لإدارة الرئيس الاميركي المنتخب، دونالد ترامب، نحو الشرق الأوسط تغيرا جذريا. لكن تشديد ترامب على مبدأ «أميركا أولا» يخيف حلفاء واشنطن في المنطقة، ومنهم الذين يعتمدون كليا او جزئيا على دعمها وحمايتها لهم.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى