«كايرو آي سي تي 2016»: طموح استكمال المجتمع الرقمي في مصر
كيف يتحوّل مجتمع الـ95 مليون نسمة الذي يحارب مشاكله وإشكالاته يوميّاً، بل في كل لحظة، إلى مجتمع رقمي؟ ما هي الآفاق التي تفتحها العوالم الرقميّة أمام مصر الآن، فيما تنوء مصادرها الطبيعيّة بتلبية حاجات تضخمها الديموغرافي، خصوصاً أن الصحراء تسيطر على معظم مساحتها، فيما يتهدّد شريانها المائي الوحيد بمطامع السياسة ومغامراتها غير المحسوبة؟ ما هي آفاق التفاعل بين تلك الأبعاد القاتمة في مشهدية الحياة اليومية في مصر من جهة، وطموحها المتوثّب بالتحوّل مجتمعاً رقميّاً كي تستطيع الاستمرار في التفاعل مع ركب الحضارة الحديثة ومساراتها، من جهة ثانية؟
الأرجح أن الرئيس عبد الفتاح السيسي نجح في تحريك تلك الأسئلة وغيرها، في مشاركته في «مؤتمر ومعرض كايرو آي سي تي- 2016» Cairo ICT 2016 الذي يعتبر أبرز حدث سنوي مصريّاً في المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، بل ينال اهتماماً لا يضارع في القارة السمراء، إضافة إلى كونه موضع اهتمام مرتفع من جانب الشركات الكبرى في الثورة الرقميّة عالميّاً.
ومع بلوغ المؤتمر عامه العشرين الذي يذكر بمرحلة اليفاعة والنضوج في حياة البشر والتحوّل إلى مرحلة المسؤولية الكاملة عن الأفعال والأقوال، شدّد السيسي على الدقة التي يتابع فيها تطوّر المؤتمر ونموه ومساراته. وأشار إلى أنّه تابع الجهود المصريّة في المعلوماتيّة والاتصالات خلال السنة التي فصلت بين دورتي المؤتمر الحاليّة والسابقة، ملاحظاً حدوث تقدّم حثيث فيها.
وضرب مثلاً على ذلك التقدّم بالمناطق التكنولوجيّة التي أنشئت في أسيوط وبرج العرب كنموذج، معتبراً أنها سوف تساهم في توفير الآلاف من فرص العمل الجديدة لأبناء مصر. ونوّه باستفادة الكادرات المصريّة من ظاهرة التعهيد («آوت سورسنغ» Out Sourcing) التي ستساهم في زيادة الصادرات التقنيّة في صناعة البرمجيات وخدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وتذكيراً، تستند شريحة كبيرة من المؤسّسات الرقميّة المصرية إلى اتفاقات التعهيد مع الشركات العالميّة الكبرى، وهي تعطي المؤسّسات المحليّة المعرفة اللازمة لإنجاز أجزاء من تقنيات تلك الشركات وبرامجها وتطبيقاتها. وتكتمل دورة التعهيد بتصدير تلك الأجزاء المنجزة محليّاً، إلى الشركات العالميّة كي تصبح جزءاً من نسيج منتجاتها التقنية. وعلى سبيل التبسيط، لو طبّقت اتفاقات التعهيد في صناعة السيّارات مع شركة «مرسيدس» مثلاً، تصبح أجزاء من سيّارات «مرسيدس» التي تجوب طرقات العالم، مصنوعة بأيدٍ مصريّة.
الإعاقة والألياف الضوئيّة
في سياق مخاطبته «كايرو آي سي تي- 2016»، لفت السيسي الأنظار إلى أهمية «تشجيع الإبداع وريادة الأعمال، وزيادة صادرات الأجهزة الإلكترونيّة التي ستقام مصانعها في المناطق التكنولوجيّة» في مصر. وأكّد قرب الانتهاء من تنفيذ المنطقتين التكنولوجيتين المشار إليهما آنفاً في فترة زمنية تقل عن العام. ولاحظ أن تلك المناطق تحقّق حاليّاً نسبة إشغال «تزيد على 75 في المئة للمساحات المخصّصة لأعمال تكنولوجيا المعلومات، ما يعتبر إنجازاً بكل المقاييس يحق أن يفخر به كل مصري». واستطرد قائلاً إنّ خدمات الجيل الرابع للاتصالات المحمولة الذي نطلق بثّه تجريبيّاً، تضع مصر في مكانها الطبيعي بين الأمم في مجال الاتصالات، كما ترفع جودة الخدمات الصوتيّة وخدمات نقل البيانات المقدمة للمواطن المصري، كما تساهم في تقديم الخدمات الإلكترونية التي يحتاجها قطاع الأعمال.
وأبدى اعتزازه بما حقّقه قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال دمج من يعانون الإعاقة في المجتمع. «جرت إتاحة التنقيّات الرقميّة لقرابة ثلاثة آلاف مدرسة تضمّ طلاباً يعانون إعاقات متنوّعة. وأنُجِزَ تدريب قرابة عشرين ألف معلّم من معلّمي التربية الخاصة على استخدام التكنولوجيا المُساعِدَة في التعليم، مع تزويد منشآت حكوميّة ومئتي مركز للشباب بها، ما جعلها كلها أماكن مؤهلة لاستيعاب ذوي الإعاقة. ويجرى تقديم برامج للعلاج عن بُعد لهؤلاء، وإنشاء مركز لتحفيز المبتكرين والشركات التقنيّة الناشئة في تطوير التكنولوجيا المساعدة لذوي الإعاقة عبر برنامج مختص بتمكينهم. وأتمنى أن يتضاعف الجهد في السنوات المقبلة كي نتمكن من دمج ذوي الإعاقة في النشاطات الاقتصاديّة كلها ليصبحوا قوّة عاملة منتجة نفخر بإنجازاتها».
وأورد ما لاحظه من تقدّم في مجال تصنيع الإلكترونيّات في مصر، مشيراً إلى نجاح الكادرات المصريّة في جذب أربعة مصانع عالميّة تنتج هواتف محمولة وأجهزة الحاسوب اللوحي («تابلت» Tablet) والألياف الضوئيّة (Fiberoptic cables). وأعرب عن اعتقاده بأن تصنيع الألياف الضوئيّة التي تربط الحواسيب بالانترنت والشبكات الرقميّة، يمثّل «خطوة مهمّة على طريق تطوير وتوطين تلك الصناعة، ما يؤهل مصر لتبوؤ مكانتها التي طال انتظارها في عوالم المعلوماتيّة والاتصالات المتطورة… وهي (الألياف الضوئيّة) من الصناعات المهمة التي تغذي أيضاً مجموعة من الصناعات الأخرى التي تخطط مصر للتوسع فيها، كصناعة السيّارات».
مشروع “مدينة المعرفة”
في كلمته، لاحظ الرئيس عبد الفتاح السيسي أنّ المساهمة التي يقدمها قطاع المعلوماتيّة مصريّاً في تصدير خدمات التعهيد بلغت ما يزيد على نصف بليون دولار عند نهاية أيلول (سبتمبر) 2016، إضافة إلى أنّها توفر عملاً لقرابة 30 ألف مختصّ في المعلوماتية والاتصالات. وأطلق السيسي مشروع «مدينة المعرفة» الذي سيقام على مساحة 300 فدان في العاصمة الإداريّة الجديدة.
وفي إطار مؤتمر ومعرض «آي سي تي- كايرو 2016»، أوضح وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ياسر القاضي، أنّ القطاع الذي تشرف عليه وزارته يساهم بقرابة 3.2 في المئة من الدخل القومي المصري، ويوظّف ما يزيد على نصف مليون مواطن، ويُصدِّر ما يربو على 1.6 بليون دولار سنوياً.
وأشار إلى انتهاء الوزارة من منح تراخيص لشبكات الجيل الرابع للخليوي والهاتف الثابت الافتراضي، وتحديث البنية التحتيّة للاتصالات، إضافة إلى البدء في تغطية المناطق الحدوديّة والطرق العامة كلها بخدمات الاتصالات المحمولة. واعتبر أن تلك الجهود تعتبر مساهمة بارزة أيضاً في توطين تكنولوجيا المعلومات في مصر.
وفي ما يتعلق بتصنيع الإلكترونيات، قال القاضي: «جرى التعاقد مع اثنين من أبرز مصانع أجهزة الهواتف النقالة والحواسب اللوحيّة وأجهزة الاتصال بالإنترنت، إضافة إلى كابلات الألياف الضوئية… ليكونا في المناطق التكنولوجيّة في مصر».
في سياق الحدث المعلوماتي عينه، بيّن أسامة كمال، الرئيس التنفيذي لشركة «تريد فايزر» Trade Fairs وهي الشركة التي تولّت تنظيم الدورة العشرين لـ «كايرو آي سي تي»، أنّ المعرض يهدف للوقوف على طُرُق الحياة المستقبليّة، ودور التكنولوجيا في دعم الاقتصاد، وتسهيل الحياة اليوميّة للمواطنين.
وكذلك بيّن وليد فؤاد، المدير العام لمجموعة «سافران» الفرنسيّة في مصر، أنّ المجموعة تشارك في المعرض للمرّة الثالثة. وأوضح أنها تتطلّع إلى الدورة 21، مشيراً إلى أنّ «سافران» تختص في تقديم المنتجات التكنولوجية والإلكترونيّة، بما فيها البرامج والتطبيقات الذكيّة، إلى القطاعين المدني والعسكري.
صحيفة الحياة اللندنية