فؤاد مطر يروي «نصيبه من الدنيا»
«هذا نصيبي من الدنيا: سيرة حياة… ومسيرة قلم» كتاب للصحافي فؤاد مطر صدر عن «الدار العربية للعلوم – ناشرون» في بيروت.
يقع الكتاب في (640 ص) ويروي مطر فيه سيرته الذاتية، من ولادته في إحدى قرى بعلبك ونزوله إلى بيروت ليدرس في مدارسها ويتدرّج في صحافتها المتألقة في خمسينات القرن العشرين وستيناته، قبل أن يهاجر إلى إنكلترا هرباً من حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس في وطنه.
ويتطرق مطر إلى تجربته المهنية في صحيفة «النهار» في عصرها الذهبي عندما كان غسان تويني ينتقي نخبة الصحافيين للعمل معه في أروقة الصحيفة البيروتية الأعرق حينها، وكيف أسس في لندن مجلة «التضامن» الأسبوعية في الثمانينات، والتي عرفت رواجاً على المستوى العربي في فترة نهوض الصحافة الأسبوعية العربية… قبل تلاشيها لاحقاً. يكتسب الكتاب أهمية كبيرة لأن مؤلفه كان شاهد عيان على محطات وتحولات وإرهاصات من تاريخ لبنان ووطن عربي ممتد من المحيط إلى الخليج ومثله مسرح دولي مليء بالاضطرابات والأزمات أدى مطر خلالها دوره كمثقف عربي مسؤول وملتزم بالكلمة والعمل والبناء، ولا يزال.
ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: «مع حلول اليوم الأول في الماسي من العمر وأفول اليوم الأخير من الذهبي، خطرت الفكرة في البال. لماذا أيها الـ «بني آدم» لا تؤلف كتاباً عن نفسك وأنت تملك من موجبات الكتابة ما يجعل هذا الكتاب موضع الترحيب والإفادة. ألست واكبت أزماناً عربية وتابعت أحوالاً دولية وواكبت بالتظاهر وبالهتاف وبالكتابة أحداثاً عاشها وطنك العربي الأكبر من لبنان إلى حدود الوطن مع ضفاف بحر الظلمات الذي يسمى الأطلسي وضفاف الخليج.
ثم ألست أنت الذي استيقظ فيك التفاؤل مع إعلان ثورة 23 يوليو 1952 في مصر وتأميم قناة السويس وانتشلك من الإذلال الذي تعيشه والناشئ عن تداعيات سقوط فلسطين… وألست أنت الذي تجرعت عقم الحرب الأهلية في وطنك الصغير، وكانت مرارتها أشد علقمة من الزلزال الذي ضرب بيروت وبعض المدن والبلدات ويومها عرفت معنى أن يهيم الإنسان في الشارع هرباً من بيته كي لا يتساقط السقف وعلى نحو ما تعيشه مئات الأحياء في سوريا التي تتلاشى في أيامك هذه…».
وتستمر الإجابة عن لماذا هذه السيرة عند المؤلف فؤاد مطر لتحضر بين السطور أحداث ووقائع وشخصيات، محلية وعربية ودولية، بمختلف المجالات من سياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية كان قد واكب المؤلف مسيرتها زمانياً ومكانياً وكتب عنها على مدى سنوات في الصحافة المحلية والعربية لنقرأ معه سجلاً تاريخياً حافلاً من قضايا أوطان وحكاية إنسان بما فيها من هزائم وخيبات وقليل من الانتصارات، لا بل من المضحكات المبكيات التي يجف القلم ولا تنتهي الكتابة عنها. قدم للكتاب بكلمات تليق بالمؤلف ومسيرته النضالية والفكرية ثلاثة من رموز لبنان في السياسة والإعلام والأدب، هم رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم الحص وناشر صحيفة «السفير» اللبنانية طلال سلمان ومدير تحرير صحيفة «النهار» فرانسوا عقل.
وقال الحص إن كتاب مطر «يحكي قصة كفاح في مهنة الصحافة وحماية عائلة من هول حرب طاحنة كانت تدور رحاها على أرض الوطن لبنان، فكان سلوك درب الهجرة مع العائلة إلى إنكلترا قراراً أملته الظروف القاسية حيث خاض تجربة طويلة في مهنة الصحافة المكتوبة لأكثر من عقدين ونيف من الزمن. وفور انتهاء الحرب في لبنان كان خياره بالعودة إلى الوطن والبقاء فيه».
أما سلمان، فرأى أن الكتاب «تأريخ لمرحلة النهوض التي جاوزت الأحلام ثم سقطت مستولدة كوابيس تكاد تلتهم المستقبل… إذا لم تنهض الأمة بعزيمة أجيالها الجديدة من الوهدة التي رمتها فيها أنظمة الظلم والظلام وتركتها تتخبط في جحيمها من دون دليل للخروج في اتجاه الفجر الجدي…».
في حين روى عقل قصته مع المؤلف قائلاً: «عرفت فؤاد مطر في «النهار» عام 1963، وقد سبقته إليها مطلعه وانضم هو إلى السرب أواخره. لكنه تركها عام 1978 وسافر، ولا أزال أنا فيها للسنة الـ 53… فتحت «النهار» أبوابها أمام كوكبة من المحررين الشباب ممن لم يكونوا يرون بالضرورة رأيها ورأي منشئها سياسياً أو حزبياً… وكان ذلك في ذاته إنجازاً. من هؤلاء الشباب كان فؤاد مطر الذي لم يحدّ الشيب قط من غزارة عطائه، بدليل استمراره التدبيج والتحبير، ليضيف إلى تعليقاته الصحافية اليومية وإلى بضعة عشر من المؤلفات، مذكرات اختار لها «هذا نصيبي من الدنيا» عنواناً، ومن مزيج من عرْض حال وكشف حساب ووصية».
صحيفة الحياة اللندنية