جمال البنا: لم أنضم للإخوان لأنهم دوماً متخلفون

 


القاهرة- نشرت صحيفة "المصري اليوم"، مذكرات جمال البنا ، شقيق مؤسس ومرشد الإخوان حسن البنا، على حلقات، فيها توضيح لموقفه من الجماعة وأفكار شقيقه، ولم ينتم يوماً للإخوان، وكان يرى أن شعار الإخوان: «الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا» لا يعبر عن الإنسان، وقد رد على ذلك الشعار وما خلفه من فكرة في كتب ومقالات. توفى جمال البنا في العام الماضي وترك تراثاً فكرياً عارض فيه الساعين إلى إقامة دولة دينية، وتصدى ضد الحكم على المرتد بالقتل، ورأى أن الحجاب ليس فرضاً على النساء، وغيرها من الفتاوى المثيرة للجدل. هناك تلخيص لما نشرته "المصري اليوم"(من الحلقة الثالثة) من مذكرات البنا وحرره السيد الحراني.
يقول البنا: كنت أعاون شقيقى «حسن» فى بعض أعماله، فكان يطبع مجلة "الإخوان" المسلمين، ثم يضع ورقاً أبيض بالمجلة، يكتب عليه أسماء المشتركين وعناوينهم، ويطلب منى أن أقرأ له العناوين، وهنا كان يحدث بيننا بعض الدعابة والطرائف، فذات مرة قرأت له «ملوى» على أنها «ملاوى»، فضحك نتيجة هذا اللبس، كما كنت أساعده فى توزيع المجلة أمام مسجد «مصطفى فاضل»، فأجلس بجوار باب المسجد فى صلاة الجمعة، لأكون أول من يخرج بعد الصلاة وأوزع الأعداد على المصلين.
كان «حسن» يكافح كفاحا مريرا من أجل دعوة الإخوان، وينفق كل ما معه على الجماعة، ولذا كان «دايما مفلّس»، وقد كنت الأكثر اتصالا به، مقارنة ببقية أشقائنا، وقد يرجع ذلك لأننى أصغرهم سنا، ولا يشغلنى شىء سوى الكتابة والقراءة، وكان فى شهر رمضان يمسكنى المصحف ويطلب منى أن أسمع له كل يوم جزءاً من القرآن، وذات مرة تحدث معى حسن عن الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا، قائلا: «كان رشيد رضا تلميذا مخلصا لمحمد عبده يعاونه ويساعده، ويحصّل منه العلم، وبعد موت عبده أصبح رشيد رضا شيخاً كبيراً فى فقة الحديث،وكان له أيضا ابن عم تلميذا له يعاونه ويساعده».
كان يهدف من حديثه أن كل فرد يكون له تلميذ، وابن روحى، وأنه يريد أن أكون أنا ابنه الروحى، فالتزمت الصمت وفهم بذكائه أننى لن أكون الابن أو التلميذ، لأننى رفضت جماعة الإخوان، واطلاعاتى جميعها كانت أدبية بحتة، فلم أدرس فى طفولتى فى كتاب، ولم أحفظ القرآن، ولم أحظ بتربية المحمودية مثل شقيقىّ «حسن وعبدالرحمن»، أى نستطيع أن نقول إن دراستى منذ الطفولة «مدنية» وبعيدة عن فكرة الدين.
لكن هؤلاء الذين انضموا للإخوان لم يكن لهم كينونة خاصة مثلى فمن منهم ألف كتبا، فأنا لم أنضم للإخوان لأنى أراهم دوما متخلفين فى معالجة بعض القضايا التى تتعلق بالمرأة، والسياسة، والمسيحيين، وغيرها، وكنت أصارح «حسن» برأيى فى جماعته، فكنت أقول له إن أفكارها دوما ترجع للخلف سبعة قرون، ولا تتواكب مع العصر الحالى حتى لو أظهروا عكس ذلك.

بداية نشاطه الفكري

وفى 1945، بدأ نشاطى الفكرى يظهر ويرى النور، فأصدرت أول كتاب لى وحمل عنوان: «عقبات فى الطريق إلى المجد- الفقر والجهل والمرض»، وفى 1946 أصدرت كتابى الثانى: «ديمقراطية جديدة»، وصدر هذا الكتاب كرد فعل بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية ظهور القوى الكبرى الجديدة المتمثلة فى الانتصار الأمريكى فى الحرب، فالكتاب كان يبشر بالديمقراطية الأمريكية والحرية، وجاء بهذا الكتاب فصل مهم جدا حمل عنوان: «فهم جديد للدين».
وفى ذاك التوقيت كنت مازلت أقيم بمنزل الأسرة بالحلمية، وكان قريباً جداً من نادى الحلمية، فكنت أسمع وأنا جالس فى البلكونة خطابات شقيقى «حسن»، التى يلقيها على أعضاء جماعة، يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وكان هذا اليوم حدثا ثقافيا منتظما ومقدسا ومخصصا للإخوان، فلا يوجد بميدان الحلمية شخص واحد يسير على قدميه.
كان ضمن الشعارات التى كنت أسمعه يرددها: «الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا»، ومن هنا قلت فى كتاب «ديمقراطية جديدة» لـ«حسن» والإخوان، ومن يسير على دربهم: «لا تؤمنوا بالإيمان وحده ولكن آمنوا بالإنسان».
عارضت شقيقى الأكبر وجماعته على طول الخط، وكانت فلسفتى هنا أن الإيمان إن لم يقترن بالإنسان فمن الممكن أن يضل ويضلل، فلا إيمان بعيدا عن الإنسان، فالإيمان نزل من أجل حياة الإنسان، لكن رغم تلك المعارضة عملت معه فى فترة من الفترات مديرا لمطبعة الإخوان، وسكرتيرا لتحرير مجلة «الشهاب»، التى كان يصدرها، وكان هو متابعا جيدا لنشاطى وكتاباتى، وفى 1946 كانت هناك مفاوضات بين صدقى باشا، رئيس الوزراء آنذاك، ووزير خارجية بريطانيا حول عملية استغلال مصر والسودان، فأصدرت كتابا صغيرا حمل اسم: «على هامش المفاوضات»، وحصل «حسن» على نسخة منه، وتوافق صدوره مع سلسلة من المقالات كان يكتبها، وتنشر له عن «المفاوضات»>
فقرأ الكتاب بشكل جيد جدا، وقال لى الشيخ خياط عبدالعزيز الخياط، الذى كان وزيرا للأوقاف آنذاك، إنه أثناء اجتماع للمرشد- أى حسن- مع أعضاء الجماعة- وكان هو بينهم- مسك «حسن» كتابى «على هامش المفاوضات»، وقال لهم جميعا تعلموا السياسة من هذا الكتاب ومؤلفه، فمن حينها عرفت أنه رغم اختلافنا الفكرى إلا أنه يحترم آرائى وكتاباتى.

خياره خارج التنظيم الديني

وفى 1946 أسست الجمعية المصرية لرعاية المساجين وأسرهم، كما أسست حزب العمل الوطنى الاجتماعى، وكان مطلبا إنهاء فترة التطور الحضارى التى بدأت فى القاهرة والعصر الحديث، لوجود عائق كبير للتلاؤم مع هذا العصر، وكانت مهمة الحزب معالجة هذه القضية الحضارية، ولكن بقدر ما كان رائعا فى الأغراض بقدر ما كان تكوينه هزيلا وضعيفا، فلا يحتوى على أكثر من 60 عاملا، وأنا الوحيد الذى كنت أنفق عليه>
فلم تكن له موارد أخرى مع العلم بأن دخلى كان بسيطا جدا، ومقر الحزب كان عبارة عن حجرة بجوار صيدناوى القديم، وأتذكر أننى أقمت حفلة تكريم باسم الحزب لـ«حسن عبدالرحيم»- أول مصرى يعبر المانش- وكان من الإخوان، ويحظى هذا الحدث وصاحبه باهتمام وحفاوة كبيرة جدا من قبل المجتمع المصرى آنذاك، لكن كان احتفالنا بسيطا، فعبرنا عن سعادتنا بإنجازه بمجرد لافتة علقناها بعد أن كتب عليها عبارة: «نرحب بفاتح المانش»، ولم تكن تلك الطريقة الدعائية منتشرة فى مصر آنذاك، واقتبستها من المجلات الأمريكية، التى كنت أطلع عليها، وكان الاحتفال مقصورا على تقديم القهوة والشاى، وقطع من الكيك، ورغم بساطة الحفل فإن «عبدالرحيم» قال: «لقد حضرت حفلات متنوعة ومختلفة داخل أعرق النوادى والقصور، ولكن أجمل ما أقيم لى وشعرت به كان حفلكم هذا».
وذات مرة كتبت إعلانا عن أهداف الحزب ومعارضته الاحتلال الانجليزى، واشتركت فى توزيعه مع باقى أعضاء الحزب فقبض علينا جميعا، وبمجرد أن علم «حسن» اتصل على الفور بمحافظ القاهرة، وكان يدعى سليم زكى، وبالفعل استجاب له، وأفرج عنى وأعضاء الحزب، وقابلت «حسن» بعدها، وقال لى: «أنت تكدح فى أرض كاحلة لا يوجد بها زرع ولا ماء، ونحن فى الإخوان لدينا حدائق مليئة بالفواكه، لا تجد من يستفيد بها، فانضم للإخوان لتستفيد منها ومن شعبيتها»>
فابتسمت له وقلت له فى هدوء إن شجرة الإخوان لا تنبت الثمرة التى تطعمنى، فضحك ولم يغضب وقال: «طالما لا توافقنى بالانضمام للإخوان، فوافقنى بتحويل هذا الحزب إلى جمعية، وفى هذه الحالة لن تتعرض للمضايقات من قبل البوليس»، ووافقت على اقتراحه وحدثتنى نفسى أن أخوض تلك التجربة، وحولت الحزب لجمعية حملت اسم: «جمعية العمل الوطنى الاجتماعى».

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى