سين وجيم و” صين”..
الصينيون يستحقون الانحناء تحية واحتراما وهم يقرؤون الكتب والتاريخ والاقتصاد من الأعلى إلى الأسفل، يصنعون الممحاة والنظارات قبل الحبر والأوراق والأقلام، لقد مكنونا نحن معشر الفقراء من أدوات العيش المريح دون كلفة باهظة بعد أن كنا رهائن في سلال نظم الغرب المتوحشة، والتي تبيع لنا العصافير مع خيوطها وأقفاصها وغذائها وبيضها وفراخها.. مرفقة بكتيبات عن ضرورة إطلاق العصافير نحو سماء الحرية.
كنا قبل صناعة الصينيين نعتبر الشمسية والقبعة والساعة والقداحة ضربا من الرفاهية التي لا يطالها إلا أصحاب الجيوب المكتنزة، نشاهدها في الواجهات التي تحمل أسماء الماركات العالمية ثم نطأطئ الرأس ونمضي على رصيف الشارع الذي تعربد فيه سيارات أوروبا وأميركا، ويقطعه المارة مذعورين أمام زمامير تلك الوحوش المعدنية.
كنا قبل عبقرية التنين الأصفر، نحتار في كيفية تقليم أظافرنا بقصاصة انكليزية، وتعليق لوحة في جدار البيت دون ” فرد تبخيش” ألماني، وإدخال الفرحة لطفلنا دون “دبدوب” إيطالي، وركوب دراجة هوائية أو نارية دون ما تمليه شروط سوق أمريكية أو يابانية.
كانت كراسي ومكاتب المسؤولين في البلاد العربية، تصنع وتنجد وتؤثث خلف البحر، ولا يقع تغييرها أو استبدالها إلا بقرار يأتي من خلف البحر.. البحر الذي يبتلع كل يوم أبناءنا وهم يبتلعون الملح والوهم والمكيدة.
لم نؤمرـ نحن العرب ـ بالسفر إلى الصين إلا طلبا للعلم كما جاء في القول المأثور، وهو ما يفسّر التقدير الكبير لبلاد في حجم قارة من المعرفة والحضارة، ولم تسيّج نفسها إلا ضد الغزاة، وإن فعلت ذلك فبأعجوبة من عجائب العالم.
لم يستقبل الصينيون زوارهم من التجار عبر التاريخ إلا بالابتسامة القادمة من ثقافتهم التسامحية، ولم يتعاونوا مع بلاد إلا وكان الازدهار هدفا لطرق صنعت من حرير وبهجة وتآلف وتلاقح حضارات، من سمرقند إلى البندقية مرورا بحلب وخاناتها العامرة.
الصناعات الصينية تبدأ من إبرة ومكوك يحيكان أجمل أقمشة الأرض ولا تنتهي عند مركبة ومكوك آخران يتوغلان في فضاءات ما بعد الأرض، ويعلنان الإنسان منطلقا وغاية في أنبل الرسائل الإنسانية.
لأجل كل ما تقدم، كره العالم الغربي الصين وتنكروا لإسهاماتها تلقينهم أبجديات الحضارة، تماما كما تنكروا لصابون حلب الذي كان يغسل أوساخهم، وقدود حلب التي نظفت مسامع العالم وهذبت ذوقه.
العداء العرقي ضد الصين يطل برأسه في كل انتصار يحققه هذا البلد المسالم الذي تغلب على جراحه ولقن العالم أن زهرة اللوتس تبقى أبدا مصدرا للحكمة الخالدة وملهما لهذا البلد الذي يمد أذرع التعاون نحو كل الشعوب، ودون تمايز أو استثناء.
الصينيون سحبوا البساط من تحت الأقدام الهمجية الراكضة نحو العولمة المتوحشة، وبعثوا للشعوب الفقيرة برسالة مفادها أن بالإمكان الانتصار على الغبن ووحوش الاحتكار.. بإمكانكم أيها الفقراء الطيبون أن تعيشوا الرفاهية التي يتباهى بها الغرب، وبأرخص الأثمان.
قبل انتصار الصناعات الصينية كان الفرد في مدننا العربية ينتظر فردا مرفها كي يسأله عن الساعة، أو يطلب منه ” ولعة” أو يعيره هاتفه الجوال لمكالمة ضرورية. وكان الفقير يمني طفله بدبدوب ايطالي في عيد ميلاده القادم، ينتظر فتح أكياس البالة التي تجود بها تخمة الغرب كي يفوز بمعطف أو حذاء أو قفازات أو ستائر أو كاسكيت.
جثم الاقتصاد الأوروبي على ركبتيه أمام انتصار التنين الصيني، خشي أن تحرقه ألسنة اللهب فرذخ للأمر الواقع وبدأ بالتخلي عن عبارات التشكيك والسخرية التي كان يطلقها ضد الصناعات الصينية، لكن الكثير من العرب مازالوا يتمسكون بها مثل نعجة تتباهى بقرني كبش مهزوم.
شكرا للصينيين، رغم انتهاكات حكوماتهم لحقوق الانسان والحيوان والطبيعة، شكرا لأصدقاء الطبيعة والإنسان ومناصري العلم النافع والتنافس الراقي والنزيه.. الخزي والعار للواهمين والمتغطرسين وأتباعهم من المتوهمين.