في عـيد المعلم
انا المعلم الذي تقاعد و صار له عيد في منتصف شهر أذار ، فماذا يصنع الإنسان في عيده سوى أن يعَيد ..و هكذا أردت أن أعيد ..
حجزت طاولة في أحد مطاعم الربوة في دمشق ، و ذهبت إليها مع أسرتي و ما كدنا نجلس حول مائدتنا حتى دوى إنفجار قوي فدب الذعر في الحاضرين و نهضنا من أماكننا و حين عرفنا أن الإنفجار لم يكن بعيدا قررنا على الفور أن نغادر المكان .
عدنا إلى البيت بعد صعوبات كثيرة من دون أن نأكل بل حتى من دون أن نشم رائحة شواء اللحم و في الدار قررنا ألا نحرم أنفسنا من المشاوي فهاتفنا لحامنا كي يرسل لنا كمية من الصفيحة فأجاب بأن اللحم شبه مفقود اليوم و لهذا أرتفعت اسعاره على الفور ، غير أنه سوف يدبر الأحوال و يخبرنا بذلك بعد قليل. و بالفعل ، اتصل بعد دقائق أن كمية اللحم الموجودة عنده صادرها زبون ذو نفوذ كبير . و هكذا تحول غداؤنا إلى وجبة إفطار بسيط مؤلف من بعض حواضر البيت .
جلسنا بعد هذاالغداء الفقير الذي تأخر نشاهد التلفزيون فإذا بنشرات الأخبار كلها لا تتحدث إلا عن القصف و الموت و الضحايا الكثر ، و صرنا نضرب من فضائية لأخرى ، و ما كدنا نصل إلى فضائية مسلية حتى انقطع التيار الكهربائي و مكثنا في العتمة نبحث عن شموع لم نجدها إلا بعد بحث طويل ، و لم تعد الكهرباء إلا بعد ساعات..
و حين رن جرس الهاتف كنت أول من رفع السماعة كي أفاجأ بصوت شخص من أصحابي القدامى يفاجئني بقوله إنه هرب مع أسرته و كان مقيما في حي الوعر بحمص و جاء إلى دمشق منذ أيام ، و أراد أن يعايدني في عيد المعلم ..
كان الظلام مخيما على غرفة المعيشة التي كنا فيها ، و كان في ودي أن أدعوه لزيارتي أو أن أزوره بنفسي و على الأخص أنه كان الشخص الوحيد الذي تذكرني و عايدني ، و لكن الرجل سرعان ما انقطعت مخابرته بل و أخباره من بعد .
ماذا أصنع الأن و أنا في هذا الظلام الخانق و قد ذابت الشموع و ليس لدينا غيرها ؟…
كيف أتابع فرحي بعيد المعلم و قد تحول إلى حزن قاتل ؟!…