برنامج ترامب الاقتصادي بدأ يترنح
تشير معلومات متقاطعة الى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنى حملته الانتخابية على شعبوية ذات وجهين: الأول قومي عنصري يحرّض الأميركيين البيض ضد غير البيض والأجانب، والثاني يتمثل بوعد بقلب أسس الاقتصاد الأميركي رأساً على عقب تحت شعار «أميركا أولاً».
الشق العنصري من برنامج ترامب تداعى تحت ضربات المجتمع المدني والمحاكم، التي شطبت قانون حظره سفر مواطنين من بلدان ذات غالبيات مسلمة. أما الشق الاقتصادي، فما برح يصطدم بعقبة تلو أخرى، كانت باكورتها إسقاط اليمين المتطرف مشروع «إبطال واستبدال» قانون الرعاية الصحية، الذي أقره الرئيس السابق باراك أوباما عام 2010.
ووجد ترامب نفسه في مأزق، لأن القانون البديل كان سيرمي 24 مليون أميركي خارج الرعاية الصحية مع حلول العقد المقبل. ومع ذلك لم ترض الكتلة اليمينية المتطرفة بأقل من إبطال الرعاية الصحية برمتها، وهو ما كان سيرمي عدداً أكبر من الأميركيين خارج شبكة الضمان الصحي.
وكان ترامب ربط برنامجه الضريبي بضرورة إبطال قانون أوباما للرعاية الصحية أولاً، إلا أنه مع فشل الجهد في هذا الاتجاه، وجد البيت الأبيض نفسه مضطراً إلى السير قدماً في اتجاه تنفيذ وعود ترامب الضريبية، من دون شروط مسبقة.
وباشر مسؤولو ترامب المفاوضات مع المسؤولين الكبار في الكونغرس، الذي تسيطر على غرفتيه غالبية من حزب ترامب الجمهوري. وطلب الرئيس الأميركي من الكونغرس بخفوض ضريبية تبلغ 7.5 تريليون دولار على مدى العقد المقبل، ما يعني رفع العجز السنوي الأميركي الحالي بواقع 150 في المئة من نحو نصف تريليون حالياً، أي من 3 في المئة من الناتج السنوي المحلي إلى 4.5 في المئة.
وسيترافق أي ارتفاع في العجز السنوي مع زيادة في خدمة الدين العام، إذ تسدد الولايات المتحدة نحو 650 ألف دولار يومياً أي ما يعادل 240 مليون دولار سنوياً خدمة لدينها العام، وهي نسبة مرجحة للصعود مع ازدياد الدين وكلفة الاستدانة، والرفع المتوقع في الفائدة.
وأشار الخبراء إلى أن خطة ترامب للخفض الضريبي تمنح زيادات في مداخيل 20 في المئة من الأميركيين الأعلى دخلاً، فيما لا يتأثر مدخول الباقين ما يعني احتمال ألا تؤدي فرضية تقليص الضرائب لحفز الأسواق، إلى تغييرات في أنماط إنفاق الغالبية العظمى من المستهلكين في الولايات المتحدة.
ويطلب ترامب من الكونغرس أيضاً، المصادقة على رصد تريليون دولار لمشاريع البنية التحتية، ما يرفع عجز الموازنة الفيديرالية في شكله الحالي بواقع 20 في المئة. وترفض الكتلة اليمينية المتطرفة في الكونغرس، وهي مجموعة من المشرّعين الجمهوريين في مجلس النواب تطلق على نفسها تسمية «كتلة الحرية»، في شكل قاطع المصادقة على أي قانون يفضي إلى رفع الإنفاق الحكومي أو العجز السنوي.
وتعتبر هذه الكتلة أن العدو الأكبر للاقتصاد الأميركي ومستقبله هو الدين العام الفيديرالي، الذي بلغ 18 تريليون دولار أي ما يوازي مئة في المئة من الناتج المحلي السنوي. وتطالب هذه الكتلة بأن تتصدى إدارة ترامب للعجز الذي تتسبب به بعض صناديق الرعاية الاجتماعية، وهو عجز في ارتفاع مضطرد بسبب الشيخوخة السكانية، التي تضرب دول الغرب والصين واليابان.
لكن ترامب يخشى من أن يُفقِده الخضوع لمطالب اليمين المتطرف الشعبية التي يحتاج إليها للفوز بولاية ثانية عام 2020، ما يعني عدم إقدامه على تلبية مطالبهم وكذلك عدم تلبيتهم مطالبه، ما يفقد ترامب الغالبية في الكونغرس ويجبره على الاستعانة بالحزب الديموقراطي المعارض، لكن هذا الأخير سعيد برؤية الحرب الأهلية السياسية الدائرة بين الجمهوريين. أما إذا وافق الديموقراطيون على منح أصواتهم لتأمين المصادقة على بعض مشاريع ترامب في الكونغرس، مثل مشروع تمويل البنية التحتية، فهم سيفعلون ذلك في الغالب مع حصولهم على تنازلات من الرئيس في حقول أخرى، وهو ما يعقد من مهمته.
ومن الأمور التي يبدو أن ترامب تراجع عنها هي وعده مؤيديه خلال حملته الانتخابية، بقيامه في الأيام المئة الأولى من حكمه بتصنيف الصين كدولة تتلاعب بالعملة. لكن بكين لم تعد تتلاعب بها بل على العكس، تحاول رفع قيمتها وتعمل لهذا الغرض على الحد من خروج رؤوس الأموال منها.
الوعود الانتخابية الاقتصادية شيء والحكم أمر آخر، وأمام انهيار معظم وعوده من إبطال قانون الرعاية الصحية إلى خفض الضرائب وتصنيف الصين متلاعبة بالعملة، يجد ترامب نفسه عاجزاً عن القيام بأي خطوة تؤثر في مجرى الاقتصاد الأميركي.
ويلفت المتابعون إلى أن أمام ترامب فرصة تعيين خمسة من أصل سبعة في مجلس الاحتياط الفيديرالي، لكن السيطرة على الفيديرالي وحدها لا تفي بأغراض ترامب، لأن أقصى ما يمكن المصرف المركزي الأميركي فعله هو الإبقاء على الفائدة متدنية. لكن ذلك قد يؤدي إلى تضخم تصبح في ما بعد السيطرة عليه أكثر تعقيداً.
الاقتصاد الأميركي لا يزال ينمو، كما ارتفعت الصادرات مع نهاية الشهر الماضي بنسبة واحد في المئة بسبب التحسن الطارئ على معظم الاقتصادات العالمية. وتراجع العجز التجاري من ٤٨ بليون دولار إلى ٤٣ بليوناً، وزادت مبيعات المنازل بنسبة 6.1 في المئة، وكذلك البناء بنسبة 3 في المئة للفترة ذاته من هذا العام.
ربما يجب على ترامب الجلوس ومشاهدة اقتصاد البلاد المتعافي، والتحسب من وقوع الركود الدوري المتوقع أثناء رئاسته، إذ ربما تستدعي الأمور تدخل إدارته. لكن من دون ركود، قد يكون انهيار خطط ترامب الاقتصادية في مصلحة الأميركيين، حتى لو أبدى مؤيدوه استياءهم.
صحيفة الحياة اللندنية