الثقافة المصطنعة
القراءة هي نافذة الفكر الإنساني الموصلة إلى كل أنواع العلم والمعرفة المختلفة، و هي من الأمور المحورية والهامة في حياة المجتمعات ، فمن خلالها يستطيع الإنسان الطواف بكل مكان في العالم وبأي زمان ، يغني من خلالها ثقافته الفكرية و يوسع مداركه المعرفية.
و كان الحصول على المعلومات سابقا صعب المنال ومحصوراً بطبقة معينة من المثقفين الذين كانوا يسعون سعيا حثيثا للحصول عليها بشتى الطرق والوسائل. وكان مصدرها شبه الوحيد هو الكتب أو المجلات أوالصحف الدورية التي كانوا ينتظرونها بشغف أسبوعيا و شهريا، و يتسابقون للحصول على أحدث ما نشر منها ، ليبقوا دائما على إطلاع بكل ما هو جديد.
ورغم الصعوبات التي كانوا يواجهونها فقد كان هناك عدد لا بأس به من المثقفين الناهمين للقراءة و المعرفة، إضافة للصالونات الأدبية و الشعرية التي كانت تجمع المثقفين والمفكرين على إختلاف مشاربهم للتناقش بالشؤون الأدبية و الشعرية و ليتبادلوا الاراء حولها .
و لا نتحدث هنا عن الثقافة التعليمية التي كانوا يحصلون عليها من خلال دراساتهم بالمدارس أو الجامعات، بل عن الثقافة التي تهدف للتثقيف والتحليل والتفكير، فالتعليم أنتج قطاعات عريضة من البشر قادرة على القراءة ولكنها غير قادرة على تمييز ما يستحق القراءة.
و مع ظهور الانترنت حالياً وانتشاره بشكل هائل، لم تعد القراءة والحصول على المعلومات والمقالات حكراً على فئة أو طبقة معينة بل باتت بمتناول الجميع، وأصبحت المراجع الأدبية و الفكرية متاحة بأي وقت تحتاجها، عن طريق الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والكتب الإلكترونية المتوفرة للجميع وبشكل شبه مجاني.
ومع ذلك كله فقد أصبح القراء أقل والمثقفين الحقيقين أصبحوا شبه نادرين مقارنة بالماضي. فعوضاً عن أن يقرأ القارئ هذه الأيام عدداً كبيراً من الكتب ويعمل عقله على تحليلها ونقضها بات يكتفي بقراءة بضعة سطور لعدد من المؤلفين ويقوم بالتسليم بها وحفظها بل وترديدها في المجالس و النقاشات التي يخوضها دون التفكير بصحتها أو حقيقتها و ليصنف بذلك نفسه مثقفا .
وكما قال الفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران:
“أتوقع أن يأتي يوم لا نقرأ فيه إلا البرقيات والأدعية”.
كان المثقفون والقراء يعملون سابقاً بالعقل لخلق الأفكار و يتسابقون لتحليل المواضيع و المعلومات أما اليوم فالأفكار هي التي تقوم بتشكيل عقول المتثقفين.
تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي حالياً من أكثر الوسائل قوة في نقل الثقافة وتثقيف المجتمع والأفراد، لذا فواجب القائمين عليها العمل على نشر المعلومات الهامة و الهادفة و الصحيحة بشكل أوسع لدفع قرائها لإكتساب المزيد من المعرفة و الثقافة الحقيقية، خاصة أن بعض الاشخاص يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلتهم الوحيدة للحصول على المعلومات وبدوره على القارئ التنبه لما ينشر من معلومات فقد يدس السم بالعسل.
و هنا تطالعنا الجدلية القائلة هل يؤخذ العلم من أفواه العلماء أم من بطون الكتب؟ وهل كل ما ينشر موثق و له مرجعية علمية مدونة ؟؟؟؟