الحـارس العـربي في صـحرائه
عندما يهجر كاتب روائي مدينته و يعتزل العالم في مأوى له قرب إحدى الغابات النائية بعيدا حتى عن زوجته التي لا يسمح لها إلا بالتواصل معه هاتفيا ، ماذا نسمي هذا التصرف العجيب ؟!
هذا ما صنعه الروائي الأمريكي ” جـ.د.سالنجر” بعد عشرين عاما من العمل الإبداعي قصصا وروايات توقف بعدها عن العمل محافظا على عزلته حتى آخر نسمة في حياته.
نشعر أن هذا الميل إلى العزلة من خلال روايته ( الحارس في حقول الشوفان ) حين نلاحظ أن بطل روايته هذه الفتى ذو الستة عشر عاما ” هولدن كولفيلد ” الذي ترك مدرسته بعد طرده منها أنه كان مأخوذا بفكرة الهروب من عالم المدن الزائف إلى العيش في أحضان الطبيعة بعيدا عن الفساد الأخلاقي السائد في المدن حيث لا نجد من البشر الطاهرين من ( الزيف)- كما يسميه في روايته – سوى الأطفال الذين يلعبون في حقول الشوفان تحت رعاية حارس هذه الحقول . لعل ” سالنجر ” هو الكاتب الأكثر وفاء لجيله من الكتاب الذين عرفوا باسم ” جيل الغضب ” الذي برع في كشف القناع الحضاري الزائف عن المجتمع الأمريكي في فترة الثلاثينيات و الأربعينيات على الأخص من القرن العشرين .
صحيح أن كتاب جيله الآخرين لم يتصرفوا على غراره و لكنهم عبروا عن رؤيتهم الغاضبة بأساليب أخرى غير العزلة التامة عن المجتمع بل المشاركة فيه إلى النهاية.
هنا يخطر على البال جيل الكتاب العرب الغاضبين الذين لم نسمع أن أحدا منهم صنع مثل سالنجر سواء في أمريكا أم في أوروبا فهل نتهم إخواننا العرب بالجبن أو إيثار حياة الرفاه على الإعلان عن تمردهم كما صنع سالنجر؟
لعل السبب في ذلك أن سالنجر كان قادرا على العيش في عزلته مما كانت تدره أعماله الأدبية عليه من مال وفير بسبب رواجها وكثرة قرائها الراغبين في شرائها فما عساه الكاتب العربي أن يصنع وهو يجد أن عدد القراء العرب المثابرين على هوايتهم عدد يسير جدا و مثله عدد المنشورات الجديرة بالاقتناء.
ليس عندنا ” سالنجر” عربي بالتأكيد و لن يكون لدينا مثله إلا إذا عدنا إلى أيام الجاحظ أو إذا تقدمنا في الزمن مئة عام قابلة للتمديد إلى ما لا نهاية له.
هذه هي نهايتنا كما يبدو، فما أفظع الفاجعة لأمة كانت ذات يوم في ذروة الأمم ثم صارت في حضيض لا خلاص منه حتى الآن !