ثقافة لا جمهور لها

لماذا صالات الأنشطة الثقافية خاوية من الناس في أيامنا هذه في حين أنها كانت في الخمسينات تغص بالحاضرين ؟

هذا صحيح فأنا ابن الخمسينات حين كان الناس يثقون بقدرةالمثقفين على التغيير نحو الأفضل و لكنهم فقدوا هذه الثقة كما يبدو و لعل السبب في هذا الجفاف الثقافي أن العلاقة الحميمة بين المرسل و المتلقي قد فسدت بسبب انهيار الإيدولوجيات القومية أو الإشتراكية و بالتالي فإن الجماهير فقدت ثقتها بقدرة هذه الأحزاب على التغيير الفكري و الإجتماعي و هكذا سارت الفوضى و التعصب الديني و خلت الصالات إلا من المتعصبين المتطرفين المأخوذين بالوعود الغبية حيث لا مكان فيها للعقول الصافية المعتدلة الصادقة حقا في ارتشاف منابع الثقافة المتجددة العاقلة .

هذه الشكوى ليست عربية فحسب بل تكاد تغدو عالمية شاملة فالسؤال الذي طرحته الكاتبة الفرنسية ” ساندرا لوجيه ” في كتابها الذي يحمل هذا العنوان : ( هل علينا أن نصغي أيضا إلى المثقفين ؟) يعكس إلى حد بعيد أن الثقة التي كانت الجماهير الأوروبية عموما لكبار المفكرين لديهم قد زالت أو ضعفت كثيرا مع الثورة المعلوماتية التي يستعيض بها الجمهور عن أساتذته السابقين مع سقوط الأحزاب العقائدية غير أن الغرب المتقدم عموما يعالج هذه الظاهرة بالمواجهات الفكرية الصريحة أو بالحوار الفكري المفتوح على مصراعيه في حين تكم الأفواه و يصادر الإبداع و يضيق الخناق على الفكر في العالم الثالث المتخلف حيث يبدو أن لا فسحة للتغيير الحضاري المتقدم فيه .

في هذا المشهد الضبابي قد يجد المفكر أو المثقف عموما خلاصة في متابعة معركة التغيير حتى ولو صار شبيها ” بدون كيشوت” الذي حارب طواحين الهواء في حين أن المثقف العربي بات واحدا من ثلاثة : فهوة إما تابع رخيص للسلطة ، أو بائس منطو على نفسه ، أو مجتهد في مشروع غير واضح المعالم لا يصدقه فيه أحد.

ليس هذا التوصيف حكما بالإدانة على الجميع فهناك دائما استثناءات لا تخضع كليا لهذه الشروط القاسية غير أن أصحابها قلة بسبب الضغوط التي تمارسها السلطة عليهم أو بسبب ضعف الروح الجماعية لدى بعضهم مما سهل على السلطة سياسية كانت أم اجتماعية مهمة تحجيم هؤلاء المثقفين المتمردين …

بلى … ثمة مفكرون أحرار في الوطن العربي بالتأكيد غير أنهم على الأغلب مثقفون يحاضرون في صالات خالية من الجماهير !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى