الازمة الخليجية كسرت الحصار المفروض على قطاع غزة
يبدو ان علاقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع القيادة المصرية اوشكت على الانقطاع، ان لم تكن قد وصلت الى طريق مسدود وبإحكام، بعد رفض القيادة المصرية لاستقباله في القاهرة في بدء جولته الافريقية الأوروبية العربية التي بدأها قبل ثلاثة أيام
السلطات المصرية التي استقبلت الرئيس عباس في آذار (مارس) الماضي، وربما يكون الاستقبال الأخير، ضغطت على الرئيس عباس بكل الطرق والوسائل للتصالح مع خصمه اللدود النائب محمد دحلان، وإعادة ترتيب “البيت الفتحاوي” على هذا الأساس، ولكن الرئيس عباس “تملص” من هذه الضغوط، مراهنا على عنصر الوقت، وغير مقدر لمدى جدية هذا التوجه المصري المدعوم من الامارات والسعودية والبحرين.
القيادة المصرية لجأت الى البديل الذي لم يكن مطلقا من بين حسابات الرئيس عباس، أي تحقيق المصالحة بين حركة “حماس″ والنائب دحلان، وضرب اكثر من عصفور بحجر واحد، ومن ابرز هذه العصافير وأكثرها سمنة، ابعاد حركة “حماس″ عن دولة قطر داعمها الرئيسي، وسحب ورقة المقاومة الفلسطينية من الأخيرة وما يتفرع عنها من تعاطف جماهيري عربي وفلسطيني، وتأمين الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقطع أي علاقة مفترضة بين حركة “حماس″ والجماعات الجهادية في سيناء.
في المقابل حصلت حركة “حماس″ على عدة مكاسب ابرزها تخفيف حدة الحصار، وفتح معبر رفح بطريقة دائمة اعتبارا من اول ايلول (سبتمبر) المقبل، وتقليص الاعتماد على السلطة وإسرائيل معا، فيما يتعلق بإمدادات الوقود لتشغيل محطة كهرباء غزة.
اللقاءات بين حركة “حماس″ ممثلة بالسيد يحي السنوار، عضو المكتب السياسي وقائد إقليم قطاع غزة، وعضوية الدكتور موسى ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي، تمت في منزل النائب دحلان في القاهرة، وفي حضور عدد من رموز تيار الأخير، وابرزهم ذراعه الأيمن سمير مشهراوي، الذي تؤكد بعض الانباء المسربة من القاهرة، انه بصدد الانتقال بشكل دائم الى مدينة غزة في الأيام القليلة المقبلة.
حركة “حماس″ التي “شيطنت” النائب دحلان في ذروة الخصومة بين الجانبين لم تذكر مطلقا ان اللقاءات تمت في بيت الأخير، وتجنب السيد خليل الحية عضو مكتبها السياسي الذي اعترف باللقاء ان يؤكد ان السيد السنوار التقى السيد دحلان، (وهما أصدقاء الطفولة من مخيم خان يونس)، ربما لوجود تيار داخل حركة “حماس″ يرفض هذه الخطوة، أي التقارب مع السيد دحلان.
خيارات حركة “حماس″ كانت محدودة، فالحصار الخانق الذي تفرضه سلطات الاحتلال من ناحية، ومصر من ناحية أخرى، والرئيس عباس من ناحية ثالثة، جعلت الحياة جحيما في قطاع غزة، وساهمت عملية التغيير في المكتب السياسي لحركة حماس، وتمثلت في خروج خالد مشعل (المقرب من قطر)، وفوز السيد إسماعيل هنية (من الداخل) برئاسة المكتب السياسي، في تسهيل حدوث هذا الانقلاب في سياسة الحركة من حيث التنسيق مع جناح دحلان الفتحاوي، والتوصل الى تفاهمات معه.
سوء تقدير الرئيس عباس للموقف، و”عناده” أدى الى خسارته مصر، وتعزيزه لدور خصمه النائب دحلان، ودفعه الى أحضان حركة “حماس″ واعطائه صك براءة من كل التهم والانتقادات التي كانت موجهة اليه او معظمها.
لا نعرف كيف سيتعاطى الرئيس عباس مع هذا الانقلاب الحمساوي الدحلاني الذي أدى الى “تهميشه” وسلطته في رام الله، واغلاق أبواب مصر، وربما دول عربية أخرى في وجهه وأعضاء اللجنة المركزية الملتفين حوله في مكتبه في المقاطعة، ولكن الامر المؤكد انه يعيش اضعف حالاته، ويفقد تدريجيا اهم أعمدته وشرعيته.
الرئيس الراحل ياسر عرفات كان يفهم جيدا أهمية الدور المحوري المصري في المنطقة العربية، ويتحمل كل الاهانات التي كان يوجهها له قادتها، وخاصة الرئيسيين محمد أنور السادات، الذي وقع اتفاق كامب ديفيد وزار القدس، او خلفه حسني مبارك الذي خاطبه، أي الرئيس عرفات، بكلمات نابية اثناء توقيع الاتفاق الأمني في طابا عام 1994، وظل الرئيس عرفات محافظا على شعرة معاوية مع مصر حتى لحظة استشهاده.
الرئيس عباس، وعلى العكس تماما، قطع هذه الشعرة فيما يبدو، لانه لم يدرس تاريخ مصر جيدا ويستوعب دروسه بالتالي، وهنا يكمن خطأه الكبير.ختاما نقول ان الرئيس عباس أراد ان يعاقب حركة “حماس″ ويحاصرها، على امل تثوير الشعب الفلسطيني ضدها، وادارتها، ولكنه عاقب هذا الشعب، واتخذ إجراءات طابعها انتقامي “مناطقي” عندما خفض الرواتب، وحرض إسرائيل على قطع الكهرباء عن غزة، فجاءت النتائج عكسية تماما حتى الآن على الاقل.
هذا لا يعني ان خيار حماس بالتحالف مع دحلان هو الاصوب، فلنا تحفظات عديدة في هذه الصحيفة على هذا التحالف وطرفيه، ولكنه خطوة انقذت الطرفين، دحلان وحماس، ووضعت الرئيس عباس في مأزق من الصعب عليه الخروج منه.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية