انتخابات كان من الممكن تفاديها (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

هل كانت الانتخابات التي اجريت مؤخرا في العراق ضرورية؟ ولكن لمَن؟
سيقال إن الشعب العراقي لا يريد تغيير النظام. وهو نظام محاصصة طائفية لا علاقة له بالشراكة الوطنية كما يقال. الشعب في حقيقته لا يستطيع القيام بذلك حتى وإن اراد. فهو لا يملك شيئا من أدوات التغيير، سوى أن يخرج إلى الشوارع منتحرا.
الحكومة من جهتها هي التي تريد تغيير الشعب، وهي تنفق المليارات من أجل تحقيق هدفها المرجو. وقد نجحت في خلق مزاج طائفي اخترق العوائل ليزرع الغامه في كل بيت عراقي. هناك رائحة عفنة لا يمكن انكارها.
لذلك فان شعبا يذهب إلى صناديق الاقتراع مشحونا بالكراهية، مهددا بعنف محتمل، لا يمكنه أن ينظر إلى قوائم المرشحين بطريقة عادلة.
ولو افترضنا أنه استطاع أن يجتهد في النظر متأنيا فانه لن يجد في تلك القوائم سوى ما يشير إلى القوى السياسية التي استولت على البلاد منذ عام 2003، بحكم ولائها للمحتل الاميركي.
لم يكن مهما مَن تنتخب. المهم أن تتعرف على الجهة التي تقف وراءه.
في المحصلة ستكون النتيجة واحدة.
وهو ما يجعل القوى السياسية المتنافسة مطمئنة إلى أن حصتها في الحكم ستكون مضمونة، بل مؤكدة. قلت الأصوات أو كثرت فان حكومة الشراكة هي قدر العراقيين، في بلد صارت المكونات الطائفية والعرقية فيه تحكم بدلا من الكفاءات.
لم يعد هناك مشروع وطني في إمكانه أن يجمع الفرقاء المختلفين إلى طاولة واحدة، بل صار العراق غنيمة حرب يتقاسمها فرقاء مختلفون لا يجمع بينهم شيء سوى انتظار موعد توزيع الحصص.
صارت دولة المواطنة المدنية حلما بعيد المنال.
اما الدولة الدينية فلا أحد يجرؤ على الاعلان عن ولادتها، رغم أن قوانينها صارت تطبق على الارض، من خلال نظام كانتونات العزل الطائفي الذي حرم جزءا مهما من الشعب العراقي من المشاركة في انتخابات، سيكون الاعلان عن نتائجها امرا صعبا.
في كل انحاء العالم الحر تعلن نتائج الانتخابات بعد يوم أو يومين من وقوعها، فلماذا يؤجل الاعلان عن نتائج الانتخابات العراقية إلى ما بعد شهر من وقوعها؟
لا مجال للمقارنة بين العراق وبين أية دولة أخرى.
فالقوى السياسية التي تحكم العراق قبل الانتخابات هي ذاتها التي تشرف عليها وهي التي تتطلع لحكمه بعدها. أليس غريبا أن تنفق الملايين من أجل اجراء انتخابات، هي في حقيقتها نوع من المشي في دائرة مغلقة؟
لقد صار مفهوم الشرعية نوعا من الضلالة.
فما الذي تعنيه شرعية وجود الحاكم في ظل الاتفاق الاميركي ـ الايراني الذي لا بد منه من أجل تسمية مَن يحكم في العراق؟
اتفاق هو مشروع هدنة بين حليفين اضطربت مصالحهما مؤقتا. لا موقع لمصالح الشعب العراقي في تلك الهدنة. لو كانت الانتخابات ايرانية لما صبر الغرب على تأجيل اعلان نتائجها يوما واحدا. ايران نفسها اعلنت انتصار روحاني بعد يوم من اجراء الانتخابات الاخيرة. ولكن انتخابات العراق وحدها تقع تحت الطاولة.
ألا يعني كل هذا أن نتائج الانتخابات العراقية ستكون مزورة؟
بالنسبة لشعب قبل بالتهجير الداخلي على اساس طائفي سيكون القبول بتزوير الانتخابات امراً محتماً. فما لا يغفر له أنه كان شاهد زور على اعادة ترسيم للمدن والاحياء التي عاش فيها العراقيون سوية من غير أن يفرق بينهم مذهب ديني أو انتماء عرقي.
العراقيون اليوم يدفعون ثمن تخاذلهم امام الهمجية الطاائفية التي اخترقت صفوفهم واعادتهم إلى زمن ما قبل الدولة المدنية.
لم تكن الانتخابات الاخيرة ضرورية في العراق. بل كان ضروريا تفاديها. لا بسبب وجود تجاذب طائفي، بل لأن نتائجها لن تكون محسومة إلا باتفاق اميركي ـ ايراني يدفع العراقيون ثمنه.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى