في التسعـين
أكمل أنا الأن في السادس و العشرين من تموز – يوليه – عام 2017 أكمل التاسعة و الثمانين من عمري أي ” التسعين عاما ” بعد عام واحد أي في العام المقبل 2018.
ماذا بقي علي إذن للمئة عام – و ياله من رقم لم يعرفه أجدادي !.. لم يبقى أحد سوى عشر عاما لرقم ” المئة ” فهل أبلغه و أصنع المعجزة التي لم يصنعها الأجداد ؟!
الطريف في الأمر أني بعد كل هذه الإحصاءات للأرقام المخيفة أجدني غير خائف البتة ، بل لعل من الأفضل أن أقول إنني راض كل الرضا عن حضور هذاالموعد لا لأنني اجتزت المعجزات في حياتي و أن افتخاري بها يحميني من الخوف أو الغرور و إنما لأنني أشعر في هذا العمر المتأخر قد غدوت أكثر قدرة على فهم الحياة و الموت فهما عاقلا إذ لا يمكن للحياة أن تستمر و إلا لضاقت الأرض بالأحياء فلا بد إذن من الموت كي تحافظ الأرض على التوازن بين نسبة الولادة و موت الأحياء و كأن الموت بات ضرورة كي تحافظ الحياة على وجودها من خلال الموت نفسه . فأنا و أنت راحلان حتما يوما ما كي نفسح مكانا لولادة الجديد أن يحل مكاننا ، و هي قسمة عادلة كما ترون … و يالها من عدالة أن يكون الموت ضرورة للحياة !..
غير أن ما يثير دهشتي في هذا العمر المتأخر أنني ألاحظ نفسي أنضج أكثر فأكثر و أغدوا بالتالي أكثر قدرة على ضبط الأهواء و النفاذ أعمق في خلايا دماغي و أنني أصبح مفكرا صائب التفكير أكثر من أي وقت مضى و أنني بالتالي أبلغ قدرة على التفكير العميق و المتزن مما يدفعني إلى الفرح بأنني نجوت من الخرف و السوداوية التي لا تعرف إلا الأوهام المعتمة و المضللة كي أبدو أكثر استعدادا للمصالحة المتكافئة من القانون الأزلي للوجود الكوني بأكمله و إنني لست سوى ذرة ضئيلة منه و لكنها على ضآلتها تنبض بالحياة و النشاط حتى في التسعين من عمرها .
و الآن …ما عسى الإنسان يقوله في هذا الموقف الوداعي أفضل مما قاله شعراً الشيخ الصوفي الأكبر محي الدين بن عربي في هذا السياق الفكري الأخير :
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورةٍ فمرعى لغزلانٍ و دير لرهبانِ
أدين بدين الحبّ أنّى توجّهت ركائبه فالحبّ ديني و إيماني