السعودية وإيران: الإرهاب أولاً (محمد محمود)
محمد محمود
الحوار الإيراني السعودي المرتقب، يفتح الباب قريباً، للبحث بالملفات الشائكة بين البلدين وهي ملفات كثيرة. بعضها يبدو فيه التشابك، بينما بعضها الآخر يغلب عليه الاشتباك. وما بين تشابك واشتباك تبعد المسافات وتقل فرص التقارب والحوار.
من لبنان الى سوريا ففلسطين، ومن العراق الى اليمن فالبحرين، وما بينها ملف نووي. ملفات كثيرة ومعقدة، ليست اقل تعقيدا من المشهد الذي يلف العالمين العربي والاسلامي، وكل طرف من الطرفين يرى فيها انها تلامس حد التهديد لامنه القومي.
لقد شهدت العلاقات الايرانية السعودية صعودا وهبوطا، لكنها مرت بافضل حالاتها مع استلام الملك عبد الله بن عبد العزيز لمقاليد الحكم الفعلي في المملكة اثناء مرض الملك فهد العام 1995 بالتزامن مع وجود الشيخ هاشمي رفسنجاني في سدة الرئاسة في ايران.
لم تكن الملفات آنذاك بهذا الحجم من التشابك وخصوصا ان المملكة، رغم وقوفها الصريح الى جانب صدام في حربه على ايران، فإنها لم تكن آنذاك قد عملت على تحويل عمل تنظيم القاعدة، الذي كانت تدعمه، باتجاه المدنيين على اسس طائفية ومذهبية.
من الواضح انه بعد دخول هذه العوامل منذ عام 2003، لم تعد التجربة التقريبية في العلاقات الايرانية السعودية تشكل مدخلا ملائما، وان كانت هذه التجربة يمكن ان تمثل حافزا لما تركته من استقرار نسبي في المنطقة. فمبادئ التقارب آنذاك قد سبقها الزمن .
من هنا لا بد من البحث عن نقطة ارتكاز يمكن ان تشكل رافعة لحوار جدي وتقارب عملي.
ان وضع الخلافات الدينية جانبا، والابتعاد عن التموضع المذهبي، أمران ضروريان. فليس المطلوب، على الاقل في المديين القريب والمتوسط، التقارب الديني. لان التجارب اثبتت ان هذا النوع من التقارب، وان كان نظريا ممكنا، نظرا للعناصر المشتركة الا انه من الناحية العملية اثبت فشله.
كما ينبغي ايضا الابتعاد عن الملفات الشائكة الآنفة الذكر، على الاقل في المدى القريب. اذ من الواضح ان الخلافات حولها معقدة، يصعب طرحها على الطاولة كسلة واحدة، كما يصعب التفكيك بينها وطرحها واحدا بعد واحد، لان ذلك يحتاح الى تقديم التنازلات من الجانبين، وهو امر متعذر ما لم يسبقه نوع من اعادة بناء الثقة اولا.
اذا اردنا ان نبني على بعض التطورات التي شهدتها المملكة مؤخرا من سن قانون لمكافحة الارهاب، وصولا الى تفكيك الشبكة الارهابية المرتبطة بتنظيم «القاعدة» منذ ايام، فان محاربة الارهاب والفكر التكفيري الذي تعرف المملكة تماما مدى خطورته عليها وعلى استقرار الحكم فيها، يمكن ان تشكل نقطة انطلاق هامة يمكن البناء عليها والانطلاق منها لمد جسور الحوار وبناء الثقة بين الطرفين.
ان محاربة الارهاب، اذا ما توافرت النية الجدية من المملكة لمحاربته، قد تشكل فرصة هامة للتعاون بين ايران والمملكة، والامر الذي لا شك فيه ان كلا الطرفين يملك الكثير ليقدمه في هذا المجال.
فبعيداً عن تشابك الملفات في المنطقة، وبعيدا عن شعارات الحوار الديني الذي يبدو انه صعب المنال في الفترة الراهنة، هل يمكن للارهاب بما يمثله من خطر محدق على مصالح الجميع واستقرار المنطقة، ان يكون هو المدخل؟
قد يحلو للبعض ان يقول: محاربة الارهاب او غيره، لا يهم، المهم ان ينطلق الحوار.. ويجلس الطرفان الى طاولة واحدة.