من هو المتنبي!؟
لم يختلف النقاد العرب في أحكامهم على شاعر كما اختلفوا على المتنبي ففي ديوان المتنبي الذي اشرف عليه الاستاذ “عبد الرحمن البرقوقي” نجد في الشروح أمثلة عديدة على هذا الاخنلاف بين المؤيدين المدافعين عنه و بين المعارضين المهاجمين سواء أكانوا من النفاد القدامى او المحدثين ففي جريدة ” الحياة ” اللبنانية التي طرحت على عدد كبير من النقاد و الأدباء العرب هذا السؤال: ” ما رايك في المتنبي ؟” و أجاب عليه ما يقارب الثلاثين إسما معروفا بين مؤيد و معارض نشرت أجوبتهم في خمسة أعداد متتالية من تلك الصحيفة عام 2007.
و الحق حسب اجتهادنا الشخصي لا بد أن نلاحظ أن النقاد القدامى لم يكونوا منصفين في اتهام المتنبي بسرقة المعاني ذلك لأنهم لم يأبهوا أو لم ينتبهوا إلى أن المعنى المسروق هو معنى متداول لدى كثيرين و أن المتنبي كان صاحب الصياغة التي راجت و تفوقت و عاشت في وجدان الناس حتى يومنا هذا ، و هذا أكبر دليل على أن المعنى الواحد الذي تشارك في استخدامه الشعراء لم ينقذه من مستواه العادي ، أو المبتذل إلى مرتبة أعلى و أجمل صياغة و مجازاً سوى هذا الشاعر الكبير حقا و الذي ما يزال اسمه نموذجا فريداً خالداً للعبقرية في أرقى تجلياتها و أن اتهامه بالغرور أو التكسّب كأجير لم يكن كما قال ” أدونيس ” مثلا في إجابته الممتازة التي وضع لها هذا العنوان الرائع : ( غربة المتنبي هي غربة الشعر نفسه) بعكس إجابة الشاعر البحراني الأصل ” غازي القصبي ” الذي وضع لإجابته هذا العنوان : (شاعر أجير… شاء عاشقوه أم كرهوا).
أو إجابة الشاعر السوري المعروف و المقيم في السويد الذي و ضع لإجابته هذا العنوان البائس الظالم 🙁 شاعر الإنتهازية بإفراط )… في إجابتي التي وضعت لها هذا العنوان :
(سر المتنبي ليس في تفوقه الغني ) …و منها ((السر في تفّوق المتنبي كامن في الطاقة النفسية العالية التي تحولت إلى طاقة شعرية كاسحة تتمثل الروح الوجدانية العربية كخصوصية جماعية كونتها منذ القديم الحياة البدوية في الجاهلية هي خصوصية الفارس الحكيم و التي يعبر عنها بأسطع تجلياتها في موضوعي : البطولة و الحكمة …الخ)).
بلى .. لو مَثَلَ المتنبي أمام محكمة عادلة لما وجد قاضيها مجالا للحكم إلا في ترداد أبيات المتنبي بمتعة واضحة و كأن القاضي نفسه مأخوذ بديوان المتنبي الذي غدا مع الزمن زينة معظم المكتبات الخاصة بالتراث لدى أرقى الناس ثقافة إلى أدناهم من الناس العاديين ..فبماذا نحكم على المتنبي إذن وهو في وجدان أهل جميع الأزمنة أكثر من أي شاعر أخر ، ليس أفضل في حكمنا حقا على هذا الشاعر من قوله في مطلع قصيدته الشهيرة عن مرض “الحمى” التي أصابته في مصر :
وَوَقعُ فَعالِهِ فَوقَ الكَلامِ مَلومُكُما يَجِلُّ عَنِ المَلامِ