الدولة السورية تتهيأ لما بعد الحرب: طيب والمعارضة؟!

دمشق ــ خاص بوابة الشرق أوسط الجديدة:
بدأب شديد وثقة كبيرة تتجه الدولة السورية للتأسيس لمرحلة ما بعد الحرب، فهي تستكمل هذه الاتجاه عبر عدة مسارات
الأول: أن العمل الميداني العسكري يحمل في طياته استراتيجية واضحة تتعلق بعودة السيادة على أكبر قدر ممكن من مساحة الأرض السورية يمكن الوصول إليها قبل التوقيع على أي اتفاق نهائي، بغض النظر عن الخسائر، مع تأجيل الحسم النهائي بعض الجبهات كجبهة إدلب والرقة لمرحلة تالية..
وفي طبيعة الخطاب الرسمي السوري تبدو القاعدة واضحة وترتكز على عدم القبول بأي خروج عن مركزية الدولة ووحدتها وعدم القبول بأي عزف نشاز (كردي أو غير كردي) رغم تأجيل الحسم معه، وقد صرح معاون وزير الخارجية السورية مؤخرا أن الذين يريدون الخروج عن وحدة أراضي الدولة يعرفون مصيرهم.. وهذا تهديد واضح ومفتاح لفهم آلية الخطاب السوري المتعلق بشكل جديد للخارطة السورية .
الثاني : أن العمل الحكومي يتجه إلى توزيع بذار استثمار مغرية في سورية من خلال تسهيلات قانونية واحتفاليات أبرزها عودة معرض دمشق الدولي في تظاهرة فنية واقتصادية تدعو لطمأنة المستثمرين وترغيبهم بمزايا المرحلة القادمة، وقد حدد الخطاب السوري هوية المفضلين في الاستثمار المتعلق بإعادة البناء (وهم الحلفاء)، وهي كعكة كبيرة بدأت العيون في العالم تتجه نحوها.
وفي هذه النقطة يضرب الخطاب السوري عصفورين بحجر واحد : العصفور الأول هو الوفاء لمن كان حليفا وفتح المجال أمام التعاون معه بكل السبل المستقبلية ومنها الاستثمار بالقطاعات الكبيرة المربحة. والعصفور الثاني هو دفع الدول التي وقفت في الجبهة المعادية لتغيير سياساتها، لأن مثل هذا التغيير يؤدي إلى تثقيل موقف الدولة في مفاوضات جنيف وإضعاف كل ما من شأنه أن يخدم المعارضة بكل أشكالها في رسم مستقبل سورية.
أما الثالث، وهي سياسي بامتياز، فقد بنى على المصالحات التي تتم وتتسع إضافة إلى مناطق خفض التوتر ونجح شوط كبير من خطوات هذا الجانب وأدى النجاح إلى بروز أصوات حزبية (البعث) وغير حزبية (معارضة الداخل) تدعو إلى عدم التعامل مع التائبين على انهم يستحقون العودة والعفو بل وارتفعت وتيرة الاتهامات لهم بالخيانة والانتهازية وانعدام الأخلاق (!!) ..
وكان مقال عضو القيادة مهدي دخل الله أكثف التعبيرات في هذا الجانب ناهيك عن مقالات صحفية وتعليقات وسائل التواصل وبعضها من منصة حميميم..
وعلى صعيد القوى الحزبية التقليدية، ظلت بنية الأحزاب المعروفة خارج الصراع، لكنها تصب في المرحلة التالية مع السياق السياسي للموقف الرسمي، بل وأضحت اليوم أكثر جرأة في تأييده بعد أن كان بعضها أكثر جرأة في انتقاده (أحزاب الجبهة مثلا)..
كل هذه المعطيات لايقابلها في المعارضة السورية الواسعة الطيف التي يشبه أرخبيلا يستحيل تجميعه في جزيرة واحدة، لايقابلها مايدل على أن ثمة استعدادا عند هذه المعارضة لمرحلة مابعد الحرب..
وهنا ، من الضروري التنبيه إلى طبيعة المصطلح، فالمصطلح (أي المعارضة) لايحمل المدلول نفسه الذي يحمله في العرف السياسي البرلماني والمجتمعي والقانوني، فالمعارضة في سورية تتأطر في عدة تسميات :
المعارضة السياسية : وهي ما أطلق عليها الخطاب الرسمي السوري عبارة (معارضات) ، وهذه العبارة تضع جميع الذين يعتبرون أنفسهم تحت هذا المسمى أمام امتحان أسئلة من بينها: من يمثلني ؟ إذن أنا أمثل نفسي، ولكن أنا ماذا أشكل؟ هل أنا قادر على المعارضة وفرض الشروط دون عون خارجي؟
وتأتي محاولات الهيئة العامة للتفاوض لتدل على ذلك، لكنها تتجاهل أن تداخل العسكري مع السياسي مع الارهابي في بنيانها سيضعفها، وأن محاولة استثمار محصلة القوى عملية صعبة الآن، فيما الزمن يتسارع !
وعلى هذا الصعيد اضطر المعارض الرئيس محمد صبرا إلى الإعلان أن ثمة ثورة ثانية الآن لترفض السلطة والارهاب (!!!) .
معارضة الداخل : وهي نوع من الدكاكين العاجزة عن إعادة انتاج موقفها السياسي أمام أي مستجد في سياق الحل السوري، وهي تنكفئ وتضعف نتيجة تناقضاتها وغرق بعض أطرافها بالفساد والكيدية والارتهان، وعلى هذا الأساس يتعامل الخطاب الرسمي معها على أنها قوى لم تأخذ شرعية وقوة الاشتراط على صعيد بناء سورية بهوية جديدة لكن لامانع لديها من بقائها ..
المعارضة المسلحة : وهي معارضة ، حتى لو قبل الخطاب الرسمي معاملتها بحسن نية، فإنها في سياق أدائها في حرب السنوات السبع كانت سبه متورطة أو مرتكبة: (تمويل خارجي، برنامج سياسي ارتجالي، تحالف مع مجموعات إرهابية والتأثر بها وبآليات عملها المسلحة وقهر السكان وابتزازهم.. إلخ) .
وبغض النظر عن ذلك، فإن المعارضة المسلحة، ورغم أنها العمود الفقري لأي اشتراطات يمكن أن يواجهها الخطاب الرسمي، فهي الآن في أضعف حالاتها نتيجة الوضع الاقليمي والدولي وتنامي الارهاب على الساحة الدولية ..
إذا، كيف يجري الاتجاه إلى مرحلة ما بعد الحرب ؟!
سؤال من أخطر الأسئلة التي تواجه سورية الآن لأنه يحمل جوابين دفعة واحدة، الخشية من تؤثر القوى الخارجية في مرحلة مابعد الحرب على صعيد وحدة الأرض السورية والهوية الوطنية السورية، ومن ثم الخشية أن تعود الأمور إلى نقطة الصفر، بعد تثبيت الأمر الواقع، فتنشأ بالتالي حروب صغيرة فوق الأرض السورية تعود وتتبناها دول أخرى إلى زمن قد يمتد إلى مابعد حرب السنوات السبع المرة !