مع روحـك يا أبـا صالـح !

كنت في بداية خاطرة أكتبها للنشر حين سمعت رنين هاتفي المنزلي فتوقفت عن الكتابة و رفعت السماعة إلى أذني … ياللهول ! ( كان المتكلم الفنان الإعلامي المعروف ) “مروان شاهين ” أحد أصدقائي القلائل في هذه الأيام التعيسة يخبرني أن صديقنا المشترك “مصباح دبجن ” المنادى ب “أبو صالح ” قد داهمته جلطة قلبية توفي على إثرها البارحة .

تركت ما كنت أهم بكتابته و جلست مفجوعا أفكر فيما سمعت . كنت مصدوما بالخبر الذي أقعدني عن الإتيان بأية حركة ، ياإلهي …قبل يومين فقط كنا معا “مروان ” و “أبو صالح” و أنا …لم يكن أمتع من هذا الإجتماع لي كي أصغي متمتعا بما أسمع و أشارك بالحديث متحمسا. كانت تربطنا في الأيام الأخيرة صحبة أكتشفت فيها أعمق ما في أبي صالح من طيبة و شجاعة أدبية و كرم و نخوة و تفكير تقدمي صريح … كان في أوج صحته ، أصغر مني سنا بعامين و أكثر نشاطا في التحرك … كل هذه الصفات النفسية و الجسدية المشرقة خانته أمس وأوقفت نبضات قلبه الكبير كي يغادرنا أبو صالح إلى الأبد .

ماذا يعني الموت أيها الأحياء ؟ و كيف يداهم البشر و يوقف الحياة عن مسيرتها الرائعة كظاهرة عجيبة لم تفسر علميا كيف خلقت حتى الأن ؟ يقولون عند الموت إن الروح تغادر الجسد ، و هناك من لا يؤمن بوجود ما يسمى بالروح و أن الجسد ليس أكثر من آلةٍ بالغة الإتقان يصيبها أحيانا عطل فجائي يُخمد قدرتها على الحركة ..

أتذكر في هذا السياق رواية صغيرة الحجم عنوانها ” وازن الأرواح ” للكاتب و الروائي الفرنسي الأكاديمي ” أندره موروا” يروي فيها قصة عن طبيب إنجليزي مشهور يعرفه جيدا كزميل سابق له في الحرب العالمية الأولى و صديق ودود يكتشف بأعجوبة أنه من الممكن الإحتفاظ بالروح بعد موت صاحبها بأمد قصير و الاحتفاظ بها كموجة ملونة من الضوء المشع في صندوق زجاجي لأمد يطول على قدر مهارتنا في حبس هذا الشعاع الملون داخل الصندوق المحكم الإغلاق و كيف يمكن أن يلاحظ الرائي كيف تتواصل الموجة الشعاعية مع موجة أخرى أدخلت في الصندوق ذاته فإذا كانت روح صدق أو حبيب تقترب منه و تكاد تمتزج به و إذا كانت لشخص عدو كيف تبتعد عنه ، و لكن الرواية تظل مجرد أحداث متخيلة لم يعترف بها العالم كواقع حي حقيقي غير أنه ما يزال بعض العلماء و الخبراء المختصين متتاليين إلى تصديق هذه الرواية أو ما يشابهها .

فيا عزيزي الغالي يا أبا صالح أين أنت الآن ؟ ألا ليت كان في الإمكان حقا الإحتفاظ بالأرواح إذن لكم أكون سعيدا إذ ما احتفظت بروحك يا أبا صالح كي أطالب أقربائي بضم روحي إلى روحك في صندوق زجاجي لا نخرج منه إلا مترافقين إلى حيث تشاء القدرة التي خلقتنا مع من نحب إلى حياة أخرى …

إلى لقاء قريب يا أبا صالح …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى