خفايا نفسية وراء تواقيعنا: هل راقبت توقيعك؟!
قبل نحو أربعين سنة، أثارني الفنان العالمي فاتح المدرس، وكان أستاذي، بمسألة تتعلق بإحدى جزئيات حياتنا اليوم، وهي “التوقيع”، فقد كان يقرأ تفاصيل تتعلق بصاحب التوقيع من خلال الخطوط التي يرسمها هذا التوقيع، فيستدل منه على أشياء تخص نفسية صاحبه.
ولأنني كنت أقتحم شفافية هذا الفنان بأسئلتي الفجة، وكان يتقبلها بتواضع، فقد قلت له : إننا نضحك على الناس بشيء يحبون هم أن نضحك عليهم به (!!!). فنظر العبقري فاتح المدرس إليّ بعمق، ثم شرح لي وجهة نظره التي يصعب عليّ الآن استعادتها بأمانة ودقة، فقال: الخطوط تكشف صاحبها، ومجموع حركات الجسد وتعابيره يعكس حتما حركة كتلة الأعصاب وطبيعتها، ويمكن من خلال هذه المعادلة التكهن بالحالة الصحية لهذه الكتلة وتوجهاتها ويمكن من ثم الوصول إلى معطيات نفسية تتعلق بالشخصية!
لم أعد أذكر الرد بشكل دقيق تماما ، ولكني فهمته على أساس أن الأعصاب عندما تقود حركة الجسد، فإنها تتأثر بحالته النفسية وتعبر عنها وتكون قادرة بالتالي على التعبير عنه وكشف عواطفه وقساوته وربما بعض أسراره .
وشرعت على الفور أبحث في معادلة التوقيع، وعلاقتها في خبايا الداخل الإنساني، فراقبت آلية عمله وبنيت عليها، وكان يمكن أن أمضي في تقليده، فأتحول إلى نوع من النصابين المنتشرين من حولنا الذين يدّعون معرفة المستقبل والحاضر والداخل والخارج ..
مضى زمن طويل، وخلال ذلك تدربت على مئات التواقيع، وحاولت المطابقة بينها وبين ماجمعته من معلومات ، فراقت لي اللعبة، ومؤخرا تركت لي صديقة عزيزة توقيعين على طبق ورق، وقالت إنها استخدمت الاثنين، ودون تردد استعدت ماجمعته من التجربة، فإذا بالتوقيعين يقدمان لي التوصيف نفسه لصاحبتهما، وفي ثنايا خطوط التوقيعين، نقرأ :
توازن بين المستقبل والماضي .
إخفاء المظاهر السطحية بهدف تفجيرها .
وفي خطوط التوقيعين هناك نوع من الحنان والدفء تظهر في خطوط التوقيع الأول ثم تتغير هذه الخطوط فجأة لتصبح تعبيرا عن نزق، ولأنني لا أعرف أي التوقيعين أسبق، فلا أستطيع بالتالي تحديد طبيعة التحويل المستجد، والواضح أنه النزق !
وتدل جملة التوقيعين على أن صاحبتهما لاتسعى إلى الظهور، بل تريد هذا الظهور نوعا من تحصيل حاصل..
وبالنسبة لحالتها العاطفية، فقد طغا عليها القلق والتوتر والتردد، والمشكلة أن ذلك يظهر في احد التوقيعين فقط ومن الضروري هنا معرفة الأسبق منهما!
كتبت صفحة ونصف عن صاحبة التوقيعين، وهناك أشياء ليست للنشر، إلا أنني فوجئت أخيرا برغبة جامحة انتابتني بأن أحاول قراءة توقيعي أنا، فهذه العملية لم أقم بها منذ أربعين سنة تقريبا هي المدة التي عشتها بعد حواري مع فاتح المدرس عن أسرار التوقيع، فتركت ماكتبته عن صديقتي، وشرعت بدراسة توقيعي، وإذا أنا أمام مصيبة تفرضها علي طريقة التحليل أحاول حاليا أن أحولها إلى دراسة، فقد اكتشفت في توقيعي :
تشبثا بالماضي إلى درجة كبيرة .
حبا بالظهور .
غموضا في ملامح الشخصية .
تناقضا بين البداية والنهاية .
واكتشفت أيضا أنني ((عاشق)) !
وهذا الاكتشاف هو الذي جعلني أتوقف عن التحليل وأسأل نفسي :
هل مابقي من الحياة يستحق هذه المغامرة ؟!