الرصاص أعمى
ثمة رصاصان: دفاعي وأعراسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال لمرافقه: اليوم عندنا حفلة، حضّر كل شيء… جهز ال BM السوداء. كن هنا الساعة الثامنة. ها هي الثامنة، ينزل على درج الفيلا…مطقوماً كأمير، مبرقاً كعريس، مُسرِّحاً ما تبقى من الشعر، رافعاً الخصلات الخفيفة من اليمين إلى الأعلى، ملصقاً إياها على قمة صلعته المبكرة… وراءه يمشي المرافق حاملاً سامسونايت سوداء فيها المصاري وعدة التدخين.
قبل أن تنطلق السيارة سأل المرافق: هل جلبت الروسية (الكلاشينكوف… يقصد)
ـ كم مخزن معك؟ (أمشاط الرصاص يقصد)
ـ والرمانات؟ (القنابل اليدوية… يقصد)
ـ والبكرة؟ (مسدس الماغنوم…يقصد)
ـ والسميث ( الرشاش الصغير… يقصد)
أجاب المرافق: كلّه جاهز…معلم.
قال آمراً: انطلق.
ها هي الثامنة وخمس دقائق… انطلقت السيارة ذاهبة إلى … عرس.
…………………………..
الأسبوع الماضي، أصيب وقتل عشرات الأشخاص بسبب هذا العتاد الذي ليس مخصصاً للأعراس والحفاوة بمجرد التعادل بالأهداف بين الفريق السوري لكرة القدم والفريق الأسترالي.
تعادل أدّى إلى استهلاك ذخيرة حربية تكفي لتحرير الجولان.
وعند التساؤلات الكثيرة عن هذه الظاهرة نجد الجواب الذي لا يسرّ:
إنه “الفقر المعنوي” الذي تعاني منه “ذات” المهزوم الأبدي، ذات الشخص الذي يحلم ويريد أن يرى انتصاراً لكرامته، ولواقعه.
يريد أن يرى التبدل الأرقى، ليس في ملعب كرة القدم، وإنما في مضمار حياته كلها.
إنها الأنا التي ينقصها الاعتراف بها.
في الاحتفالات يخرق القانون بتلذذ سري، ويستعرض النوع العضلي من القوة، في حديد المسدس ورشقات الرصاص. وفي الوقت نفسه يفرّج عن الكرب المضمر، ويريد أن يقول… أنا أطلق إذن أنا قوي!
أحياناً التساؤل الساذج هو المفتاح: كيف تتساوى لغة الفرح والحزن في أداة واحدة هي البندقية التي تلعلع في العرس وتلعلع في الجنازة ؟
اليوناني في العرس لا يجلس على الطاولة، لأنه يرقص طوال الحفلة، الفرنسي لا يحمل مسدساً كجزء من اللباس الرسمي للفرح أو الجنازة، ولدى الشعب الأمريكي 300 مليون قطعة سلاح، بدأت تخرج على الفرح وتصنع الجنازات.
الشعوب المتحضرة لا تحمل السلاح ولا تستخدمه إلا في الدفاع عن الوطن، أما الشعوب النزقة، والعدوانية فهي من يستخدم هذه اللغات في التعبير، ولا شك أنه من المفهوم، كيف لا تستطيع البلاد التي تحارب الإرهاب سبع سنوات ضبط حملة السلاح ومنعهم من هذه الطريقة في هدر الذخيرة، وترويع البشر، والقتل بالصدفة برصاص طائش؟ ولكن ذلك كان دائماً… إنه ظاهرة.
ولأن السلطات عاجزة عن منع أطلاق النار… جاءنا من يقترح على مؤسسة صناعة الذخيرة الحربية أن تنتج طلقات خلبية صوتية. وعزز اقتراحه بأن هذا الإنتاج مساهمة في الاقتصاد الوطني. ودافع عن اقتراحه بقوله: إنه شعب مكبوت يريد التعبير بحنجرة البندقية، بدلاً من حنجرته. اتركوه يعبّر…
ولكن على ذكر الحناجر… يجب توفير الذخيرة في زمن الحرب، لتوفير الحناجر، سواء، عبّرت أم لم تعبّر.
إذا كان التعادل في لعبة الكرة… أطلق هذه الأطنان من الرصاص، وقتل وجرح هذا العدد المجهول من من البشر…ماذا سنتوقع عندما تضع الحرب أوزارها؟!