المذنـبـون
” المذنبون” عنوان رواية للروائي السوري فارس زرزور أهدانيها عام 1975 بهذه العبارة الطريفة : (( أخي شوقي .. كان مقدرا لهذه الرواية أن تطبع في لبنان بعد رفض رئيس إتحاد الكتاب العرب – في سوريا – منذ عشر سنوات نشرها على حساب الإتحاد لأن هذه الرواية في رأيه غير صالحة للنشر، ولكن الرئيس الحالي علم بالأمر فطبعها مخالفا بذلك الرئيس السابق له و إن رأيك يهمني … أرجو أن أعرفه))، وتاريخ الإهداء كانون أول 1975.
أكثر من عشر سنوات إذن قضاها فارس زرزور بحثا عن دار نشر لرواية لم أقرأ في أهميتها رواية في الإنتاج المحلي أفضل مما أبدعه فارس في “المذنبون” و قد كتب عنها كما أذكر كثيرون كنت واحدا منهم، وكنا جميعاً، كما أذكر، مأخوذين بالمتعة المثيرة التي منحتنا إياها .. وتشاء المصادفة أن ألتقي بهذه الرواية منذ أسابيع وأنا أعيد تنظيم مكتبتي فإذا بي بعد كل هذه السنين أختلي بها و أعيد قراءتها و أتمتع بها أكثر مما تمتعت بها من قبل.
أفكر الآن في ذلك الروائي الذي كان في معظم ما أبدعه من قصص وروايات أنه كان – ولا يزال- ظاهرة أدبية إبداعية بالغة الأهمية بحق و أقول الآن لنفسي هل ظهر في سوريا روائيون أفضل من فارس زرزور ذلك الشاب- الدمشقي الميداني الفقير – المكافح للعيش من خلال عمله في التعليم الإبتدائي ثم تحوله إلى عسكري برتبة ملازم وتنقله في مساعيه هذه بين قرى منطقة حوران في جنوب البلاد إلى أقصى الشمال في قراه ومدنه الصغيرة، وقد عرفنا منه أنه إستوحى رواية ” المذنبون” من عمله في قرية حورانية ومعاشرته أهلها طويلاً حيث جرت أحداث روايته هذه والتي يمكن إيجازها بأنها قصة فلاح شاب فقير يعاني من جفاف التربة بسبب إنقطاع المطر طويلاً مما يهدده بفقدان الأرض التي أستأجرها، يعيش مع أمه العمياء و أخته الصغرى في الرابعة عشرة والحسناء جداً، وكيف يضطر إلى عقد زواج بالتبادل مع ابن عمه الأوفر مالاً مقابل زواجه من أخته العانس العرجاء مع ما يتلقاه من عمه من مال و أغنام…
و ما يجري من صراع الفلاحين مع الجفاف والفقر والأطماع وكيف يمتنع المطرعن الهطول بالرغم من صلاة الإستسقاء التي يشارك فيها سكان القرية والتي قال شيخ القرية أن سبب إنقطاع المطر يعود إلى أن العناية الإلهية تعاقبهم على الذنوب التي إرتكبوها في صراعاتهم مما دفعهم إلى الهجرة من القرية المغضوب عليها إلى العاصمة دمشق بحثاً عن عمل يقتاتون منه …
رواية إستولت علي وأنا أعيد قراءتها بعد أكثر من أربعين عاماً فأقول لنفسي : قليلة هي الروايات السورية الجديدة والتي ترقى إلى مستوى ” المذنبون ” وأن السبب الأساسي في ذلك عائد إلى أن معظم كتاب الروايات الحديثة تعبر عن تجارب لم يمارسها هؤلاء الروائيون أو لم يقاربوها متأثرين بموجات (( الفانتازيا)) أو ما يسمى بالواقعية السحرية أو اللامعقول التي أبعدتهم عن حقيقة المجتمع النابضة بالحياة إلى إصطناع الحياة …
و لا أتحدث هنا بالطبع عن الأسباب التي تعود إلى فقدان الموهبة ، و إنما إلى الموهوبين فعلاً أو إلى بعضهم على الأصح أنهم لم يعرفوا الحياة التي يتحدثون عنها كما عرفها فارس زرزور في ” المذنبون”.
لكم تعذب هذا الكاتب الموهوب كي يعترف به إتحاد الكتاب في بلده و الذي لم ينل استحقاقه إلا بعد موته!!