مأساة البرتقال السوري !
دمشق ــ تحقيق خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
حملت إحدى المجموعات القصصية للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني عنوانا له علاقة بثمرة طيبة من ثمار فلسطين هو : أرض البرتقال الحزين. وعندما قرأنا القصة التي تحمل هذا العنوان في مدارسنا الإعدادية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كانت أشجار البرتقال اليافاوي لاتزال في بيوتنا قبل أن تتآكل المدينة تحت وطأة التوسع العمراني، وكأن لون البرتقال قدر المشرق العربي، كما هو لون الزيتون على مر التاريخ.
والجميل أن الشريط الشرقي للبحر الأبيض المتوسط قابل لزراعة هذا النوع من فاكهة الشتاء، وقد أسس لمساحات كبيرة كانت تسمى البيارات في فلسطين، والبساتين في سورية، وقد غنى الفلسطينيون كثيرا وبحزن لبرتقالهم وهاهم السوريون يغنون له بحزن، وكأن ثمة قدرا للبرتقال المشرقي يبدأ بغزو المعتدين وينتهي بمأساة التسويق!
عندما اندلعت الحرب في سورية، كان إنتاجها من الحمضيات يقارب المليون طن، والحمضيات في عرف السوق السوري هي برتقال وليمون وما يتفرع عنهما من أنواع أخرى من بينها اليوسفي والمندلين والكلمنتينا، والغريب أن هذا الحجم الضخم من الإنتاج يعني ببساطة أن هناك فائضا كبيرا ينبغي التعامل معه عبر طرق الصناعة والتصدير، لكن الحرب في سورية زادت المأساة وجعلت أكثر من 90 بالمائة من الإنتاج خارج دائرة الاستهلاك المحلي .
وتوضح الإحصائيات الرسمية أنه وفي عام 2011 بلغت الكمية المتاحة للأسواق المحلية من البرتقال والأنواع الأخرى المرتبة به /964/ ألف طن وهذا يعني أن الكمية المعرضة للتلف تبلغ حوالي /854/ ألف طن، ومع اشتداد الحرب كبرت مأساة البرتقال السوري للأسباب التالية :
دائرة الحصار التي فرضت على الاقتصاد السوري ولم يعد التفكير بتصدير الفائض إلى خارج البلاد، وخاصة أن الحصار كان يتضمن حصارا عربيا والسوق العربية هامة جدا على صعيد سوق التصريف التي يبحث عنها المنتج السوري.
دائرة الحرب التي اتسعت أثّرت على تنقل البضائع داخل البلاد نفسها حيث تقطعت أوصالها ولم يعد من السهل تصريف الكميات في السوق المحلية .
تدمير سكك الحديد التي كانت تقوم بعملية النقل وارتفاع أسعار لمحروقات على الوسائل الأخرى .
بروز ظاهرة الترفيق لحماية البضائع أثناء تنقلها في السوق المحلي.
كان رقم الانتاج في بداية الحرب يقارب المليون طن، وفي الحرب لم يتراجع كثيرا وبعد سبع سنوات انقضت من الحرب، يجري الحديث عن 855 ألف طن من مختلف الأصناف أكثر من نصفها برتقال ، وهذا يعني ان التراجع بلغ أكثر من مائة ألف طن بقليل .
المسؤولين عن الزراعة في اللاذقية يتحدثون بين فترة وأخرى عن مأساة هذه الثروة الزراعية والعاملين فيها، فمحصول الحمضيات “يشكل مورداً رئيسياً لحوالي 50 ألف أسرة في اللاذقية وتتوزع زراعته على أكثر من 33 ألف هكتار بعدد أشجار مثمرة 9.7 ملايين شجرة”. وهذه الأرقام تعيدنا إلى بداية الحرب حيث أحصت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الأشجار فوجدت أنها تبلغ /12499.5/ ألف شجرة والرقم مسجل في عام 2012 !
في الآونة الأخيرة لاحظ السوريون اهتماما حكوميا بتسويق موسم الحمضيات والعمل على أرضية إيجاد أسواق تصريف سعر عادل بالنسبة لفلاحي الحمضيات في الساحل السوري والشراء المباشر منهم، لكن المسألة لن تهيأ تراجعا للمأساة التي تكبر وتزداد إذا لم يجر فتح الأسواق العربية والدولية أمامها مما جعل الصحافة تصف سياسة التسويق بالتخبط.
ويلاحظ في السنة الأخيرة أن الأرقام المعلنة عن الإنتاج عادت للزيادة، حيث قدر إنتاج الحمضيات بمليون و37 ألف طن، أي بزيادة تقارب المائة ألف طن عن موسم بداية الحرب ..
هل تضيف مأساة البرتقال السوري إلى مآسي السوريين بعدا آخر، ذلك لن يكون أقل وطأة من الحديث عن المآسي الأخرى في القطاع الزراعي بدءا من القمح ووصولا إلى الزيتون الذي هو شجرة العائلة السورية بدءا من الشمال ووصولا إلا الجنوب !