الفارس المعذب
يبدو لي هذه الحرب العجيبة في بلادي لن تنتهي أبدا ، ذلك أن المعارضة المسلحة و قد تحولت بعد إستيلاء النظام على معظم الكيان الجغرافي للبلاد إلى عصابات يائسة لم تعد تملك سوى القدرة على إزعاج النظام من حين لآخر بقذائف طائشة تلقى من أماكن مجهولة على أماكن عشوائية ، و كأنها رسالة تقول لنا جميعا : إنتبه ..أنت كائنا من كنت معرض للموت مادام النظام الحاكم قائما !..
أنا ..أو أنت ..أو هو ..أو هي …معرض للموت من دون أن يرتكب أي ذنب ..حسنا. .لن أخرج بعد الآن من بيتي إلا إذا كنت مضطر لشراء حاجة ضرورية لمعيشتنا البائسة … و هكذا يسألني بعضهم : لماذا لم تغادر البلد ما دمت على هذه الحال ، كما صنع كثيرون ؟… و لا أجد جوابا سوى قولي : أنا لا أريد أن أموت في بلد آخر غير بلدي …فهنا قبري و هو جاهز لإستقبالي ، ولا أريد ضمنا أن يكون قبري في بلد آخر غير دمشق…
و قد يسألني عندئذ آخرون : لمن إذن أنت تنتمي ؟ فأجيب بإنني لا أنتمي إلى أي من القوة التي تتصارع الآن تحت شعارات هي غير الشعارات التي بدأت بها التجليات الأولى لهذه الحرب مثل : الحريّة ، و الكرامة ، و الأخوة المذهبية …
أنا مع أبي العلاء المعري في قوله الرائع هذا:
مل المقام فكم أعاشر أمة أمرت بغير صلاحها أمراؤها
ظلموا الرعية و استجازوا كيدها و عدوا مصالحها و هم أمراؤها
بلى .. الدولة الحقيقية التي تستحق إسم دولة هي الدولة ذات السلطة الملتزمة بالقوانين التي إتفق عليها معظم المواطنين بالرضا الحرّ المتبادل بين الدولة و الرعية … و من يخالف هذه القوانين حاكما كان أو محكوما يستحق العقاب …
ليست هذه كلمة وداع ، و إن كانت مرارة الوداع ترشح في حروفها.. إن سوريا التي يتبارى المتنازعون في التعبير عن حبهم إياها تقول لهم بكل صراحة : أرجوكم لا تعبّروا عن حبكم إياي بهذه الطريقة العنيفة !.. لقد آن حقا أن يتوقف القتال و الدمار و إن لم يتوقف فلا بد أن يغدوا المصير كأنما فات الأوان على التفريق بين الحب و الكراهية . لقد آن لنا جميعا إذن أن نودع بعضنا بعضا إذا ما استمر العنف سنوات أخرى من العذاب قد تحول إلى خراب لا صلاح له …أما آن لهذا الفارس المعذب أن يترجل ؟!!!!