حرب المليون وسلام الاثنين

“تستطيع إدخال الحذاء إلى الفرن… لكنك لن تصنع منه بسكويتاً”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم يحشد الأميركيون ممثلين عن الولايات المتحدة يوم انتهت الحرب العالمية الثانية. ذلك الحشد الذي يجب أن يقابله حشد عن الجمهوريات السوفييتية، يوم وصلت الجيوش إلى بوابة براندنبورغ في برلين، وأيضاً لم يأت برفقة تشرشل ممثلو طوائف بريطانيا… فلا داعي لاجتماع كافة الشعوب ليقرروا ما يستطيع ثلاثة رجال فقط أن يقرروه، ليس بالسنوات اوبالأيام… بل بالساعات فقط: لقد اقتسم ستالين وتشرشل وروزفلت أوروبا والعالم، وثبتت دبابيس على الخريطة في جثة الجغرافيا، وما تزال حتى الآن مغروسة في قلب العالم.

بالطبع ليس ضرورياً تكسير الأقلام ، ليلائم حبر الاتفاقات القديمة لون التوقيعات الجديدة. في ازمة اخرى. يكفي ان يجلس اثنان، هذه المرة، ليقررا ما سيفعلان بالأزمة السورية: بوتين وترامب.

لكن الذي ينقص هو إنضاج الشرط السياسي التابع للشق العسكري ،وأدوات هذا الإنضاج السوري الذي يشوي لحم أطفالهم ومستقبل أجيالهم على نار الجحيم، وليس لهب السياسة. فكيف لا يكفي سبع سنوات لهذه المهمة؟ وماالذي سيتبقى من سورية ، لكي نرى حلاً في بلد أصبح كله “عاصمة للخراب”؟

من خلال الاجتماعات، وتبديل أماكن الاجتماعات ، من جنيف الى سوتشي ، نحصل على صورة واضحة للعقدة اللاجمة للتسوية، وهي عدم التسليم… تسليم رعاة المعارضة الرسمية المؤطرة في منصات، بأن الحرب انتهت، وما نراه هو دخان ذهابها إلى الإنطفاء والتلاشي. وهذا يعني أن بناة الرهان على سقوط النظام ما زالوا يتغذون بأحد أمرين: الأمل، والوهم.

وهؤلاء، حتى هذه اللحظة، يفكرون بتبديل ميزان قوى أصبح اختلاله صريحاً ومصيرياً. والمثال هو مايلي:

المعارضة تتوعد إخراج الروس عشية استلامهم زمام السلطة أو القرار. والروس وقّعوا معاهدة واستأجروا قاعدتين، بحرية وجوية، لخمسين سنة… فكيف يمكن التعامل مع معادلة على أرض الواقع بهذا القدر من الوضوح والرسوخ؟كيف يسمح المنطق بان نتجاهل المنجز الروسي فنعاند بندا اصبح في النسيج الاستراتيجي للمعادلات في المنطقة؟

تطالب المعارضة برحيل الأسد. وبرحيلة يزول الروس، فهل يصدق أحد من المتفرجين على حبال المشانق في السينما… أن الأنشوطة قابلة للاستعمال على رقبة الروس، بهذه البساطة؟ وقبلها رقبة الأسد؟

إن الأضمن للروس هو اتفاقية ناجزة يحميها موقعوها. الأمريكي مقتنع ومنتبه أن ثمة صعوبة في تغيير النظام عبر الانتقال القسري السريع والاستبدالي… ولذلك كفّ عن مثل هذا الطلب.

سوتشي أحد المحطات التي تبرهن، أو أرادت أن تبرهن أن لدى السوريين بدائل، وعلى الرغم من شكلية وعدم كفاءة هذه البدائل لإنتاج سورية حديثة، وسريعة التعافي من آثار الحرب… فإن الحل بعيد ما يزال.

ولعل المكتوم والمنتظر في العقدة هو: تسوية تحدث بعد مجازر كبرى في : إدلب، وضواحي دمشق، والجنوب:درعا والجولان .

للأسف سيضطر السوريون لدفع المزيد من الدماء ريثما يأتي ذلك اليوم الذي يقولون فيه لبعضهم على طاولة واحدة:

مرحباً أيها الأخوة الأعداء!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى