حرب عِفرين المَسْكوت عنها: تصاعُد أعداد القَتلى في صُفوف الجَيشين التُّركي والسُّوري الحُر وكذلك المُدافِعين عنها

في الوَقت الذي يَتصاعَد فيه الاهتمام الدَّولي بِضحايا الحَرب في الغُوطة الشرقيّة الذين فاقَ عددهم 500 شَخص حتى الآن، النِّسبة الأعظم مِنهم من المَدنيين والأطفال، تَشتعل حَربٌ أُخرى في مِنطقة عِفرين بين القوّات التركيّة وحُلفائها في الجيش السوري الحُر من ناحية، وقوّات الحِماية الشعبيّة الكُرديّة وقوّات شعبيّة مُوالِية للجيش العربي السوري، ولكن الاهْتمام بالثّانية يبدو مَحدودًا رغم وقوع خسائِر في أوساط المَدنيين من جرّائها وإن كانت بنِسبةٍ أقل.معركة عِفرين التي تَخوضها القوّات التركيّة برًّا وجوًّا دَخلت يومها الـ41، ولكنّها لم تُحقِّق مُعظم أهدافها في إنشاء مِنطقة آمنة تَستوعب تَوطين حواليّ 3.5 مليون لاجِئ سوري في تركيا مِثلما أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان في بداياتها.
وزير الدِّفاع التركي نور الدين جانكيلي عَقَدَ مُؤتمرًا صِحافيًّا اليَوْمْ أعلن فيه “أن 157 شهيدًا سَقطوا مُنذ بِدء عمليّة عِفرين بينهم 41 جُنديًّا من القوّات المُسلّحة التركيٍة و116 جُنديًّا من الجيش السوري الحُر، وأن عمليّة غضن الزيتون تمكّنت من تَطهير 615 كلم من الإرهابيين وتَحييد 2295 منهم”.
مِنطقة عِفرين تحوّلت إلى حَرب استنزاف للجيش التركي وفصائِل الجيش السوري الحُر التي تُقاتِل إلى جانِبه، ومن غير المُستبعد أن تضع السُّلطات التركيّة في مَأزق سياسي دبلوماسي، وربّما الدُّخول في مُواجهةٍ عسكريّة مع الوَحدات النظاميّة في الجَيش السوري.
الأصوات التي تُطالِب بتطبيق قرار وَقف إطلاق النار رقم 2402 الذي صَدر قبل عشرة أيّام على مِنطقة عِفرين أيضًا، وليس الغُوطة الشرقيّة وَحدها، الأمر الذي تُعارضه تركيا بقوّة، وتُبرِّر هذهِ المُعارضة بالقَول “أنها تُحارِب إرهابيين أيضًا”.
قصف الطائرات التركيّة مساء أمس لقُرى في ضُواحي عِفرين أدّى إلى مَقتل 14 مدنيًّا، حسب بيانٍ صادِر عن المَصدر السوري لحُقوق الإنسان، علاوةً عن 18 من الجيش السوري وإصابة ثلاثة أشخاص.
سُقوط 41 قتيلاً من عناصِر الجيش التركي، ثمانِية منهم في مُواجهات أمس، يبدو رقمًا صغيرًا بالنَّظر إلى مِئات آلاف الضّحايا الذين سَقطوا في جانِبيّ الحرب في سورية، ولكنّه يَظل كبيرًا بالنِّسبة إلى الشعب التركي، أو قِطاعًا مِنه، يُعارض تورّط قوّاته في حَرب عِفرين، والإصرار على الوقوع في مِصيدة الحَل العسكري الذي طالما ما عارَضته الحُكومة التركيّة.
الجيش السوري لم يُرْسِل حتى الآن وَحدات قِتاليّة نِظاميّة إلى عِفرين استجابةً مع طلب المجلس التنفيذي للحُكم الذَّاتي فيها، تجنّبًا للصِّدام مع الجيش التركي، وبطلبٍ من الحَليف الروسي، لكن اسْتمرار سُقوط القَتلى في صُفوف القوّات الشعبيّة التي جَرى إرسالها للدِّفاع عن المِنطقة في مُواجهة التوغّل العَسكري التركي قد يَدفَع بقِيادة هذا الجيش (السوري) إلى التخلّي عن هذهِ السياسة والتوجّه نحو المدينة، وربّما الدُّخول في صِدامات مع الجيش التركي، الأمر الذي سَتكون له انعكاساته الخَطيرة على الأزمةِ السوريٍة وخَريطة التَّحالفات فيها.
هُناك حالة “تَملمُل” في أوساط المُعارضة التركيّة بسبب إطالة أمد الحَرب في عِفرين، وتصاعُد أعداد القَتلى الأتراك من جرّائها، حيث بَدأ حزب الشَّعب الجُمهوري الذي يَقود هذهِ المُعارضة في اسْتغلال هذهِ الخسائِر لتَشكيل تحالفٍ جَديد ضِد الحِزب الحاكم (العدالة والتنمية) وحَليفه الحِزب الوطني اليميني المُتطرٍف، لخَوض الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المُقبِلة في تَكتّلٍ واحِد، ومن الأحزاب المُرشّحة للانضمام إلى هذا التكتُّل حِزب السّعادة الإسلامي الذي يُفاوِض السيد عبد الله غل، الرئيس التركي السَّابق لكي يَكون مُرشّحه في انتخابات الرئاسة ضِد الرئيس أردوغان، حَليفه السَّابِق.
سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسي، اقْترح على الرئيس أردوغان أكثر من مرَّة الدُّخول في تحالفٍ مع السُّلطات السوريّة والقُبول بتَمركز الجيش العربي السوري لحِماية الحدود السوريّة التركيّة، مِثلما كان عليه الحال قبل الأزمة، ولكنّه رَفض هذهِ المُقترحات حتى الآن، ولا نعتقد أن الأبواب جَرى إغلاقها في وجه الوساطة الروسيّة بين دِمشق وأنقرة في هذا الشّأن، ولعلَّ تَلكؤ الجيش السوري في عدم دُخول مِنطقة عِفرين، والاكْتِفاء بالقُوّات الشعبيّة، إلا أحد المُؤشِّرات المُهمَّة في هذا الصَّدد.
الرئيس أردوغان يجب أن يُسارِع في الخُروج من مِصيدة عِفرين لحَقن دِماء جُنوده وحُلفائه في الجيش السوري الحُر، إلى جانِب المَدنيين والمُقاتِلين في الطَّرف الآخر، وهم مُقاتِلون أشدّاء، وأن لا يُكرّر، أي أردوغان، غَلطة السعوديين في اليمن، وقَبلها غَلطة العِراقيين في الكويت.
صحيفة راي اليوم الالكترونية



