معركة الغوطة : هل تؤسس لحرب إدلب !

دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة
أربع معطيات تثيرها معارك الغوطة الجارية :
أولها أنّ خضْ حقائب اجتماعات جنيف وأستنة وسوتشي وما تحتويه من معطيات لم ينتج زبدة من أي نوع للحل السوري..
ثانيها أن العمل العسكري هو الطريق إلى الإسراع في الحل السياسي، والمكاسرة في الميدان هي التي تفتح طريقا فعليا لهذا الحل.
وثالثها أن التنازلات التي تحتاجها تفاهمات الحل سيقدمها المهزوم في الميدان، وهذه نتيجة من المعطيين الأولين ..
ورابعها، وهو الأهم، أن إدلب تنتظر دورها بعد الغوطة ، وهذا قرار متخذ في أعلى سلطة في سورية!
وبين هذه المعطيات الأربعة لابد أن يدقق المتابع للحدث السوري في الكثير من المستجدات البارزة المتعلقة بالمنطقة، وبدايتها من المحافل الدولية التي تشهد مكاسرة واضحة بين قطبين أساسيين يتصدر الروسي أحدهما ويبدو متصلب الرأس واضح الرؤية ويشتغل على الأرض بثبات دون تردد، ولايتعامل مع الحدث السوري بمعزل عن المكاسرة العالمية مع أميركا وحلفائها .
وفي المستجدات الأخرى، يبرز الدور التركي مترددا، غير واضح المعالم، يعبر عنه في البروباغندا السورية المتعلقة ب”المؤامرة” بأنه متورط أساسي، واليوم يدفع ثمن جهله بتبعات ماتورط به .
ويمكن تلمس محاولات عربية للبحث عن مخارج للأزمة التي أثقلت المنطقة طوال السنوات السبع التي مرت. وفي لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إشارات من هذا النوع ، ويؤيدها أخبار تسربت عن تنسيق مصري مع الأجهزة السورية منذ سنتين.
وهنا، لابد لنا من أن نستعيد أخطر الأزمات في العالم، لنتعلم منها، ونبحث عن دروسها، وفي مجموع الأزمات الخطر نصل إلى حقيقة مبسطة يمكن التعبير عنها بصيغة أو معادلة أخرى لاتعتمد على أن هناك ((فعل وفاعل ومفعول به)) وأن هناك مؤامرة تدار على مبدأ هذه الثلاثية اللغوية . بل تعتمد صيغة جديدة تفرض نفسها على جميع المعنيين في الأزمات ، وهي أن على الأطراف أن تبحث عن طريق يخرج منه الجميع .
تلك هي أهم مايمكن استخلاصه من دروس معارك الغوطة الضارية، فالجانب الحكومي السوري، يرى في المعركة نوعا من الكي في علاجه لورم أمني عند تخوم دمشق الشرقية أفرزته الحرب ويجب أن يستأصل هذا الورم وتسحب هذه الورقة من كل اجتماعات ولقاءات البحث عن حل للحرب ، وهذا البحث يجري على طاولة تسعى الدولة السورية لتكون هي الممثل الشرعي والوحيد عن الكيان السوري الذي هزته الحرب وكادت تودي به إلى
المجهول .
الجانب الروسي يبدو حاسما أيضا، وغير متردد في معركة نفوذه في المياه الدافئة وفي شرق المتوسط وفي الحلم الذي انتاب الروس طويلا بإعادة الهيبة لبلدهم التي ورثت فضيحة انهيار الاتحاد السوفييتي وتبعات هذه الفضيحة ..
إن أهم ما نلحظه في مواقف الجانب الروسي هو الوضوح التام في خوض المعركة مع الغرب وأميركا تحديدا على أساس أنها معركة مكاسرة لا معركة مساومة ، وبين العبارتين وردت لأول مرة عبارات تتعلق بالاستخدام الفعلي للأسلحة النووية لا بنزعها كما كان سابقا .
أما إيران، فتعيدنا في مواقفها المتعلقة بالمشرق العربي إلى مراحل التاريخ الأولى، ليس في بعدها القومي (الفارسي)، الذي كان ينازع العرب حلم يتعلق بهزيمته قبل الإسلام ، بل في بعد آخر (إسلامي) يحمل احتمالين مضمونهما أن تنضم إيران إلى هذه المنطقة باعتبارها جزءا منها أو جزءا لها، وفي كلتا الحالتين تبدو إيران حاسمة أيضا في موقفها من الحرب السورية ، وحسم مسألة الخوف من أن تكون المنطقة (جزءا لها) يحل 90% من المشكلة..
ومع هذه المفاهيم التي تترادف دائما عند كل تحليل تعود معركة الغوطة لتفتح المجال على السؤال الحتمي ماذا بعدها ؟! وجوابه : أن بعد الغوطة هو كما
قبلها : كل الأوراق على الطاولة وكل الاحتمالات مفتوحة !
هناك إصرار سوري يتعلق باسترجاع الجغرافيا السورية، وهذا يعني أن حسم معركة الغوطة واضح، لكن الأهم هو مابعدها، فهل سنمسك أعصابنا بطريقة أكثر سخونة ونحن نجد المعركة التالية هناك في ادلب حيث تجمعت كل القوى، وماذا يجري عندها ؟!



