تعريف خطوط واشنطن الحمراء بالنسبة إيران (مايكل سينغ)
مايكل سينغ
"في الوقت الذي تحرز فيه إيران تقدماً مستمراً نحو امتلاك قدرة نووية، هناك أهمية متزايدة في قيام واشنطن بتعريف خطوطها الحمراء."
في مقالة نشرتها في صحيفة "واشنطن بوست" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ذكرتُ أن الهدف من "الخطوط الحمراء" فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي – بعيد عن أن يؤدي ذلك تلقائياً إلى دفع الولايات المتحدة نحو الحرب – هو تسهيل الدبلوماسية والحيلولة دون نشوب صراع. وبينما تحرز إيران تقدماً مستمراً نحو امتلاك قدرة نووية – ووفقاً لما ورد في تقرير حديث صادر عن "معهد العلوم والأمن الدولي"، فإن أمامها ما يقرب من شهرين إلى أربعة أشهر فقط لامتلاكها ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع قنبلة نووية واحدة – فإن تحديد خطوط واشنطن الحمراء أصبح يمثل أهمية متزايدة.
لقد تمكن النظام الإيراني خلال العاصفة التي أثارها من التقدم بحذر للوصول إلى هذه المرحلة، حيث وسع قدراته النووية وتجنب في الوقت ذاته نشوب صراع متكامل الأركان مع الغرب. بيد أن المرحلة النهائية من مسعاه النووي سوف تشكل تحدياً خطيراً لهذه الاستراتيجية، حيث أن أي اندفاع صريح نحو امتلاك سلاح نووي يرجح أن يؤدي إلى رد فعل مدمِّر. ويمكن لإيران أن تتبع العديد من الأساليب في هذه المرحلة الأخيرة، بدءاً من التخلي عن الحذر والاندفاع بشكل جنوني وعلني إلى المضي قدماً بشكل سري تماماً. ولهذا السبب، لا تحتاج واشنطن إلى خط أحمر واحد وإنما إلى العديد من الخطوط الحمراء، لكي تغلق كافة السبل المتاحة أمام إيران للوصول إلى امتلاك أسلحة نووية.
إن الطريق الذي يحظى بأكبر قدر من الاهتمام فيما يتعلق بامتلاك إيران لأسلحة نووية يرتبط بالنهج الأكثر صراحة، لكنه قد يكون الأخطر بالنسبة لإيران – وهو الاندفاع نحو امتلاك أسلحة نووية باستخدام مواقع التخصيب المعلنة ومخزون اليورانيوم المتاح. وهذا هو الطريق الذي حذّر منه مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و"معهد العلوم والأمن الدولي". ومصدر قلقهم واضح للعيان – فبينما تعمل إيران على توسيع قدراتها النووية وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 19.75 في المائة، فإن وقت الوصول إلى عتبة تصنيع أسلحة نووية يتضاءل بشكل أكبر، ربما إلى الحد الذي يصعب معه توجيه رد عسكري بسرعة تكفي للحيلولة دون إنتاج يورانيوم لتصنيع قنبلة نووية أو أكثر وإخفائها.
إن هذا القلق هو الذي دفع نتنياهو إلى إعلان خطه الأحمر – تخزين إيران ليورانيوم مخصب بنسبة 19.75 في المائة، إذا تم زيادة تخصيبه، يكفي لتصنيع سلاح نووي واحد. ومع ذلك، فمن المهم أن ندرك أن بإمكان إيران تسريع إنتاجها لليورانيوم المخصب أو الحد منه ومن ثم فهي تتحكم في سرعة المواجهة مع الغرب – حيث يمكنها التعجيل بالمواجهة عن طريق زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن التخصيب، كما يمكنها إبطاء تلك المواجهة عن طريق إرسال اليورانيوم المخصب بنسبة 19.75 في المائة لكي يتم تحويله إلى صيغة أخرى غير ملائمة لمزيد من التخصيب، مثل ألواح الوقود لـ "مفاعل طهران البحثي". وقد كان ذلك دأب إيران في الماضي – حيث كانت تتحرك بسرعة خلال فترات توقف المفاوضات ثم تستأنف المحادثات الدولية لنزع فتيل التهديدات والضغوط الناجمة عن ذلك.
كما تستطيع إيران التحرك بطريقة غير خطية لتجنب هذا الخط الأحمر – على سبيل المثال من خلال إنتاج دفعات صغيرة من اليورانيوم ذات نسب التخصيب الأعلى بدون الاضطرار أولاً إلى تخزين يورانيوم مخصب بنسبة 19.75 في المائة يكفي لتصنيع قنبلة نووية واحدة. وقد أكد أحد المُشرِّعين الإيرانيين البارزين على سبيل المثال أن إيران ستبدأ إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60 في المائة لاستخدامه في الغواصات النووية. كما تستطيع إيران ببساطة مواصلة تجميع يورانيوم منخفض التخصيب مع إتقان تصنيع أجهزة الطرد المركزي الأكثر كفاءة، بما يقلل من الوقت اللازم للانطلاق نحو الحصول على أسلحة نووية في المستقبل.
وبدلاً من الاندفاع العلني نحو امتلاك سلاح نووي، وهو ما سيمنح الولايات المتحدة وإسرائيل وقتاً وفرصة لتوجيه رد عسكري، قد تفضل إيران محاولة الحد من وصول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى برنامجها وتحقيق القدرة على إنتاج الأسلحة النووية بدون مرأى ومسمع من المفتشين الدوليين. وسوف يتسق هذا مع تاريخ إيران في الخداع والتحايل النووي.
وتستطيع إيران بطبيعة الحال طرد مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على أمل ألا ترد الولايات المتحدة على مثل ذلك التحرك، لكن هذا سيكون افتراضاً محفوفاً بالمخاطر. والأمر الأكثر ترجيحاً أن تتخذ إيران خطوات تدريجية لتقليل وصول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى برامجها أو وضع عراقيل أمام المفتشين، من أجل توجيه جزء من مخزون إيران من اليورانيوم (على سبيل المثال، اليورانيوم بنسة 19.75 في المائة الذي تمت إزالته من منشأة "فوردو" لتحويله إلى ألواح وقود) إلى موقع تخصيب لم يتم الإعلان عنه حتى الآن أو الحد من اليقين الذي يستطيع به المفتشون مراقبة الأنشطة الإيرانية في مواقع التخصيب المعلنة، أو إطالة الوقت بين عمليات التفتيش لدرجة لا تسمح بالكشف عن اختراق نووي في الوقت المناسب.
ونظراً لأن مثل تلك الخطوات قد تبدو متواضعة للمراقب العادي، فقد ترى إيران أنه سيصعب على الولايات المتحدة حشد رد دولي على تلك الإجراءات. فقد قلصت إيران بالفعل من تعاونها مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على مدى السنوات القليلة الماضية. ومما يدعو للقلق – كما تم تفصيله في المقالة التي نشرت مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست – إن اتهامات إيران الواسعة النطاق بأن مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" قد تورطوا في أعمال تخريب ربما تكون بمثابة محاولة لإيجاد ذريعة لتقليص التعاون بشكل أكبر.
ولا تزال هناك طرق إضافية تستطيع إيران أن تسلكها لتجاوز العتبة النووية والوصول إلى امتلاك أسلحة نووية. إذ لا تستطيع نقل مخزون اليورانيوم المعلن عنه إلى منشأة تخصيب غير معروفة فحسب، بل أيضاً إنشاء سلسلة تحويل وتخصيب إمدادات يورانيوم سرية موازية تماماً باستخدام الخبرة وشبكات المشتريات التي اكتسبتها من برنامجها المعلَن. كما تستطيع السعي إلى امتلاك سلاح نووي، أو مجرد وقود لسلاح كهذا، من قوة نووية حالية مثل كوريا الشمالية، التي تتعاون معها بالفعل بشكل موسع. وسوف تواجه إيران عقبات خطيرة في أي من السيناريوهين، لكن لا يمكن استبعاد أي منهما كلية.
إن فهم سبل إيران في إتمام المرحلة النهائية من برنامجها النووي سوف يمكِّن الولايات المتحدة وحلفائها من وضع خطوط حمراء – سواء كانت سرية أم تم إعلانها بصورة علنية – لإغلاق تلك السبل. يجب ألا تقتصر تلك الخطوط الحمراء على مخزون إيران من اليورانيوم المخصب وإنما أيضاً على مستوى تخصيبها لليورانيوم، ومجال الوصول الذي تتيحه لمفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وتوسيع برنامجها لأجهزة الطرد المركزي وغيرها من التقنيات لتصنيع الأسلحة، إلى جانب أي جهود سرية لبناء مواقع نووية إضافية أو الحصول على مواد نووية من الخارج. ومع ذلك، ربما يكون الأمر الأهم هو أن مثل هذا التحليل لسبل إيران نحو امتلاك أسلحة نووية يمكن أن يساعد صناع السياسة على تعزيز أدواتهم الحالية وابتكار مناهج جديدة – بدءاً من واقع التجميع الأفضل للمعلومات الاستخباراتية واستمراراً بالجهود الأكثر تركيزاً لتطبيق العقوبات وإحباط جهود المشتريات النووية الإيرانية وإلى التحذيرات المشتركة الصادرة من الأمم المتحدة أو الهيئات الأخرى متعددة الأطراف – لضمان عدم اقتراب إيران مطلقاً من تلك الخطوط الحمراء في المقام الأول.
مجلة فورين پوليسي الامريكية