مع نهاية داعش جنوب دمشق : ماهي مسؤولية السوريين تجاه أنفسهم !
أحس السوريون جديا أن ثمة انحسارا واضحا للحرب، وربما تكون مقولة السنوات السبع العجاف صحيحة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحرب لم تبدأ فعليا مع اندلاع الأحداث في منتصف آذار 2011 ، أي أن الشروع في نمط جديد من الحياة قد أصبح ممكنا، وخاصة مع نهاية العمليات العسكرية في آخر جيب لتنظيم داعش في مخيم اليرموك والحجر الأسود، ومن ثمة الإعلان عن أن دمشق أصبحت آمنة بالكامل..
ويطرح هذا الحدث سؤالا كبيرا حول مسؤولية السوريين تجاه أنفسهم، لمرحلة مابعد الحرب، ويتفرع السؤال فورا ليشمل كافة مناحي الحياة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الدينية .. نعم المسؤولية في كل هذه المجالات تتعلق بالإنسان السوري نفسه، ويمكن عندها أن يُحصن هذا الإنسان حياته القادمة التي يطمح إليها بصيغ تفاؤلية وطنية تُبنى على أرضية الرغبة في تجاوز المأساة إلى بناء المستقبل!
ويمكن القول بصراحة إن تحسين شروط الحياة اليومية والشروع في إعادة البناء سوف لن تكون متسارعة وسليمة إذا لم تبن على العامل الذاتي أولا ، وهذا العامل هو الذي يدفع عجلة الاقتصاد ويعزز الأمان ويقوي سلطة الدولة، ويدفع أصحاب المصالح للبحث عن إعادة بناء مجتمع جديدة يقوم على الإنسان نفسه..
هل يمكن للإنسان السوري أن يقدم لبلاده هذه الضمانة ؟!
في تجارب شعوب العالم، تمكنت مآسي الحرب من أن تصنع لبلدانها مسارات رحبة جعلت منها سريعا دولا كبرى بل وترسم لهذه الدول مستقبلا فاعلا في حياة البشرية، فلا أحد يعتقد أن الحرب مهما طالت يمكن أن تحطم رغبة الإنسان في إعادة بناء حياته ضمن أفضل أشكال التطور الاجتماعي.
ونموذج أوروبا نموذج مفيد ..
يبدو هذا النموذج ماثلا للعيان في كل دولة من دول أوروبا ، وكيف تحولت أوروبا بعد الحرب بمجملها إلى نموذج لحياة عصرية للإنسان الأوروبي يتماهى معه كل سكان الأرض فيضربون به المثل في تنظيم حياته وتطور اقتصاده وتقدم مخترعاته وتدفق إبداعاته في الثقافة والفن والأدب، وفي هذا النموذج كان الإنسان الأوروبي هو العامل الأساسي ..
ويمكن التعرف على النموذج الياباني أيضا بعد هيروشيما وناغازاكي وتحول اليابان إلى قوة عظيمة في حضارتها التي تعاظم اقتصادها بطريقة مذهلة بعد الحرب، وكذلك الحال في تجارب الحرب الكورية في السنوات الثلاث الصعبة التي تلت الحرب العالمية الثانية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي..
أما في فيتنام فحدث ولا حرج .. وفي كل ذلك كان الإنسان هو الأساس.
نعم لقد حفزت الحرب المجتمعات التي عاشتها على الانتقال إلى مرحلة جديدة متحضرة ومتقدمة من الحياة ، وقد يسأل سائل :
وماذا عن أسس الحياة القادمة في سورية على المستويات السياسية التي قيل أنها من أسباب الحرب ؟!
هو سؤال مهم، والبناء على أنه شرط أساسي للتقدم في الحل يُصعب المسألة، وربما من المفيد القول بأن السعي نحوه سيكون أول منتج صحي للإنسان السوري لمرحلة مابعد الحرب وهو مايمكن أن يحصل فعلا ، شريطة أن يعي هذا الإنسان أنه هو المعني بصناعة مستقبله ، وأنه هو المعني ببناء نفسه !