الدين والعصر: “الفارق بيننا وبين الشرنبلالي!”

تدور أحاديث كثيرة هذه الأيام حول “الدين والعصر”، وهي من أخطر الأحاديث التي يترامى ضجيجها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل، ونعرف جيدا أن هناك أصواتا ترتفع بحدة، وهي تستنكر سلوك الجهات والمؤسسات الرسمية التربوية والثقافية والدينية في التعامل مع سلوك بعض هذه المؤسسات، وبغض النظر عن مضامين هذه الأصوات وماتبغيه من احتجاجاتها فإن الموضوع هام ويفرض نفسه على حياتنا، فأثر الدين على المجتمع كبير، ولا نستطيع بالتالي تجاهل توجهات الحياة الدينية في المجتمع العربي، ولانستطيع أن ننكر أهمية ذلك في تسعير التناقضات والصراعات في المجتمعات العربية وخاصة في الفترة الأخيرة، ولذلك لابد أن نحكي..
المهم، أن حديثا سريعا جرى بيني وبين أحد رجال الدين الذي كان يتحدث عن المفطرات في رمضان مستندا إلى كتاب قديم، يقرأ فيه، عنوانه : مراقي الفلاح للفقيه المصري الشيخ حسن الشرنبلالي، والكتاب عبارة عن شرح لكتاب الفقيه المذكور المعنون ب”نور الإيضاح ونجاة الأرواح في الفقه الحنفي”، ويعود تاريخه لعام 1069 للهجرة ونحن كما تعلمون في العام 1434 للهجرة أي أن الفارق بين الزمنين هو أقل من أربعة قرون بقليل ..
ولتفهم وجهة النظر التي نود الوصول إليها لابد من معرفة الظروف التي عاشها هذا الفقيه المصري الذي وصفته مراجع الشبكة العنكبوتية بأنه كان من كبار فقهاء عصره وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأعرفهم بنصوصه وقواعده، بل وقيل عنه بأنه كان مصباح الأزهر وكوكبه المنير المتلألي، لكن ذلك لايعني أن ماكتبه في الفقه في زمانه يصلح لهذا الزمان ..
كان العثمانيون هم من يحكمون مصر في تلك الآونة وانتصارهم على المماليك لم يلغ قوة المماليك فعاشت مصر عشرات بل مئات السنين حالة فوضى مما دفع كثيرين إلى وصف الفترة الممتدة بين عامي (1517-1798) بالفوضى والقلاقل والفتن وبالفقر في الزراعة والحرف والصناعات، فضلًا عن تدهور الحياة الثقافية والاجتماعية، ومع أن ثمة وجهة نظر أخرى تتحدث عن إرادة تنوير دينية ورفض للفوضى إلا أن ذلك لايبرر أبدا أن النتاج الفقهي الذي ظهر وقتها يبقى صالحا لمصر أو لأي دولة عربية أو إسلامية في القرن الحادي والعشرين !
برزت الدعوة إلى تحديث الفقه في كل مكان من العالم الإسلامي، وفي النموذج المصري نفسه، وقبل أقل من سنة وعلى لسان الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، كان هناك خطوة تتعلق بتحديث موضوعات الفقه المقررة على بعض فروع الجامعات ، وأنقل عن لسانه” أن موضوعات المادة في واد والطلاب في واد آخر، فمن غير المنطقي أن يدرس طالب الطب حكم إطلاق اللحية، ويترك الموضوعات الفقهية البعيدة عن تخصصه كموضوع بنك الدم والأجنة وغيرها..”
لاحظوا أن الفقه مطالب بتحديث رؤيته لما يتعلق بهموم الجيل الذي تطور كثيرا عن أيام العثمانيين، وعلى هذا الأساس، همست بأذن رجل الدين الذي أشرت إليه أن فقه الشرنبلالي لا يصلح لهذه الأيام، في سورية ؟!
تحتاج الثقافة إلى تجذير انتمائها الوطني باستمرار، وهذه حقيقة لابد منها، ولكن هذا التجذير لايلغي أبدا تحديث العقل والانتباه إلى متغيرات الزمن ومكتشفات العلم وتراكم المعرفة والثقافة في العالم .
وهذا الرأي يشمل أيضا الثقافة الإسلامية، ونتاجها الفقهي، ولاتعني هذه الحقيقة تدخلا بشؤون الفقه، فهذا شأن المؤسسات والمراجع الدينية أيا كانت، ولكنها حقيقة تدفع باتجاه مكاشفة واضحة مع ظروف العصر التي نعيشها، وخاصة أن المعرفة توسعت وتطورت وتشعبت وأنتجت أنماط سلوك ومعاملات جديدة نتيجة تقدم الحياة ومكتشفاتها الكثيرة، إضافة إلى ظهور وسائل التواصل ووسائل الإعلام.. تلك هي الفكرة !