الهزائم نوع من الادمان

“توقعنا مجئ الطائرات الاسرائيلية من الشرق…فأتت من الغرب”
___________________________________________________

“عنب عنب عنب”… الكلمات الثلاث التي كانت تعني الإنذار بإقلاع الطائرات الإسرائيلية لبدء الحرب. كان على الجندي الأردني ،المناوب في الضفة الغربية ،إبلاغها للجندي المصري المناوب في سيناء. ولكن الجندي المصري ،المبلغ بكلمة انذار جديدة ، ردّ على الجندي الأردني مازحاً: ” نحن في يونيو… بدري على العنب”.

كانت كلمات السر هذه قد تبدلت، فلم يُبلغ بها الجندي الاردني.

الزمن فجر الخامس من حزيران –يونيو1967

وهكذا بدأت الحرب بخطأ قاتل، فلم يتح الوقت للمطارات المصرية وللطائرات المصرية لاتخاذ الإجراءات المخططة والحاسمة، فدمرت الأسراب الإسرائيلية الطائرات والمطارات المصرية ،خلال ساعه.

وهكذا انتهت الحرب في لحظة البدء. والباقي تفاصيل.

حدث هذا قبل نصف قرن وسنة من الآن، وخلال نصف قرن وسنة تركت هزيمة حزيران/ يونيو آثارها الرهيبة والمستمرة حتى الآن.

احتلت إسرائيل سيناء المصرية، والضفة الغربية الفلسطينية، والجولان السوري. والأهم هو الاحتلال النفسي والمعنوي والروحي ،الذي جعل انتاج الانسان المهزوم امرا ممكنا .

فمن ولد في ذلك اليوم أصبح كهلاً الآن، وقد ورث في ظل الهزيمة، عالماً عربياً مضطرباً، صفته الخلاف، وسيرورته التفكك، ومآله الحروب العربية – العربية والحروب الأهلية.

حين كتب بدوي الجبل، الشاعر السوري ، قصيدة عن تلك الهزيمة، عوقب بالضرب في” شارع النصر” حتى أشرف على الموت ، من قبل مخابرات النص الممنوع.

نحن موتى وإن غدونا ورحنا والبيوت المزخرفات قبور
وشر ما ابتدع الطغيان موتى على الدروب تسير
كيف نعيش الوغى ويظفر فيها حاكم مترف وشعب فقير؟
محنة العرب أمة لم تهادن فاتحيها … وحاكم مأجور

وكتب نزار قباني ،معارضا تفاؤلات أغنية فيروز:

(الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع)
عفواً فيروز ومعذرة أجراس العودة لن تقرع
فيروز… من أين العودة والعودة تحتاج إلى مدفع
خازوق دقّ بأسفلهم من شرم الشيخ إلى سعسع
ومن الجولان إلى يافا ومن الناقورة إلى أزرع

في الذكرى الخمسين وسنة لهذه الهزيمة… يمكن القول أن مفاعيلها واضحة في كل مستويات التاريخ العربي الحديث ، وتلخيصها كلمة شاملة ، جامعة ، مانعة: الانحطاط.

وأنا…الآن يوم 10حزيران 2018 أتذكر تلك البندقية التي حملتها ، طوال أيام الحرب الستة وأنا طالب في السنة الجامعية الأولى، وكانت مهمتنا انتظار المظليين الإسرائيليين المحتمل هبوطهم في غوطة دمشق…

لم يأت المظليون…

وانتهت الحرب في مسارح العمليات، ولم تنتهي في الراديو.

وعندما عرفنا ان الحرب جميعها انتهت، دون ان نطلق رصاصة واحدة…أطلقت طلقة على الهواء… كي لا أقتل نفسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى