تطفل ووقاحة

 

بعيدا عن الأسئلة ذات الطابع الميتافيزيقي، والمتعلقة بسؤال الموت وفعل ما يعرف بالأقدار وما تخبؤه من مفاجآت سارة أو صادمة، فإن تحويل كل البيانات والمعلومات الشخصية إلى نموذج تنبؤيّ واحدٍ تملكه إحدى أكبر الشركات الخاصة هو حل على الصعيد النظري إذا ما أخذنا النوايا الحسنة في الاعتبار، ولكنه ليس حلا “جذابا” بل يمكن أن يكون بداية لسلسلة مشكلات وأتعاب لا تنتهي، ناهيك عن الأسئلة التي تطرح من الجانب الأخلاقي.

إن وجود السجلات الطبية الإلكترونية للملايين من المرضى عند عدد قليل من الشركات الخاصة من الممكن أن يجعل شركات مثل غوغل تستغل الصناعات الصحية، تحتكر العناية الطبية، وتمضي في تغولها بتلك الوحشية الرأسمالية التي لا تعرف الحدود ولا تعير اهتماما للخصوصيات والحرمات الشخصية.

أمر آخر يعتبره الباحثون والمتخصصون غاية في الأهمية، وهو أن شركات التأمين “ستدخل على الخط، ومن الباب العريض” في ما يتعلق بهذا الإنجاز العلمي، وتراعي في خدماتها بالطبع هامش البقاء على قيد الحياة بالنسبة لزبائنها.

إن التأمين على الحياة بعد هذا الإنجاز الطبي لن يكون ـحتما ـ كما كان عليه، وسوف تأخذ شركات التأمين “موعد الوفاة” بالاعتبار، وتتعامل مع معطيات غوغل الجديدة بمنتهى الحذر والجدية والمراوغة في آن معا، رغم أن عملها يعتمد أساسا على مثل هذا التطبيق الذي تقدمه شركة غوغل الآن.

مفارقات عديدة أخرى سوف تولّدها هذه الوثيقة الطبية الغوغلية الخطيرة هي وغيرها من منجزات الذكاء الاصطناعي عموما، إذ تهدد بإحالة وظائف في قطاع التأمين إلى التقاعد أو تقليص الحاجة إليها، برغم أن القطاع من أقل القطاعات الاقتصادية تأثرا بزحف التقدم التكنولوجي كونه من المهن التي تعتمد على الأشخاص والكادر البشري.

وفي هذا الصدد، أشار المدير العام لشركة ميديل إيست بارتنرز لاستشارات التأمين موسى الشواهين، إلى أن التأمين بشكل عام سيكون من المهن القليلة التأثر بالعامل التكنولوجي في أغلب المجالات، لافتا إلى أن بعض وظائف التأمين الإجرائية ستتأثر بشدة.

وأوضح أن البائعين ومسؤولي الاكتتاب سيتأثرون بعوامل التقدم التكنولوجي، ولا سيما أن الكثير من الشركات لم تكن تركز في الماضي على توفير قنوات تسويق إلكترونية تمكن العميل من التسجيل والحصول على الوثيقة عن طريق التطبيقات والمنصات الإلكترونية للشركات.

ومن جهته، اعتبر نائب مدير عام شركة تأمين وطنية فضل عدم ذكر اسمه، أن التأمين من المهن التي تعتمد على الأشخاص ولا يمكن الاستغناء عن الكادر البشري في أغلب مجالاتها.

ورجح أن ينحصر التأثر في مراكز المحاسبة والاكتتاب والبيع، فيما ستبقى بعض المهن المرتبطة بالقطاع بمنأى عن التأثيرات السلبية، بل ويمكنها الاستفادة من التكنولوجيا لتحليل البيانات والتدقيق لوضع الاستراتيجيات والسياسات الصحيحة.

أن تودع جميع أسرارك وخصوصياتك إلى محرك بحث أو فضاء إلكتروني موغل في الدقة والتحري السريع، ليس أمرا “منصوحا به” وفق الطبيعة البشرية الباحثة أبدا عن الخصوصيات و”عدم التعري” أمام من تراه ومن لا تراه. وفي هذا الصدد، وعلى سبيل المثال، تظهر العديد من براءات الاختراع المودعة مؤخرا مدى انتشار جهود فيسبوك لجمع أكبر قدر من البيانات عن المستخدمين، بدءا من توقع روتينك اليومي إلى التنبؤ باليوم الذي قد تموت فيه، وما هو أكثر من ذلك، فالعديد من هذه التقنيات تعتمد ببساطة على بيانات الموقع الجغرافي للهاتف الذكي الخاص بك من أجل معرفة المزيد عنك وعن عاداتك.

ووفقا لبراءة الاختراع التي تم رصدها لأول مرة من قبل “نيويورك تايمز″، يتنبأ فيسبوك بالأشياء الهامة التي تطرأ على حياة المستخدم استنادا إلى المعلومات المتاحة عنه، والتي يمكن الوصول إليها من خلال نظام الشبكات الاجتماعية.

وفي واحد من أكثر الملفات إزعاجا يصف باحثو فيسبوك قدرة الموقع على التنبؤ بحدث تغيير حالة المستخدمين، مثل الزواج وأعياد الميلاد والوظائف الجديدة وولادة طفل جديد في العائلة والتخرج، أو حتى الموت، ومن شأن ذلك أن يساعد فيسبوك على تقديم الإعلانات ذات الصلة للمستخدم بطريقة أكثر فعالية وفي الوقت المناسب.

جدير بالذكر، أن التنبؤات التي يقوم بها فيسبوك عن حياة كل مستخدم يعتمد فيها على تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل ما يوفره المستخدم عن نفسه وأنشطته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى