الاحتجاجات تربك الحركة التجارية في موانيء وأسواق العراق
تعيش الحركة الاقتصادية في العراق، إرباكا متصاعدا، رافقت أعمال عنف شهدتها عديد المحافظات خلال الأسابيع الماضية، أبرزها محافظة البصرة (جنوب). وتشهد السوق العراقية، حالة تراجع في القوة الشرائية، بينما يرى تجار ووكلاء أن عجلة الاقتصاد سجلت تباطؤا بسبب الاحتجاجات وردة فعل قوات الأمن لإخمادها. ويطالب المحتجون بتحقيق مطالب اقتصادية واجتماعية ومحاربة الفساد، وتوفير الطاقة الكهربائية، في بلد تتجاوز فيه درجات الحرارة حاجز 42 مئوية.
وبدأت الاحتجاجات بشكلها الواسع، لأول مرة في محافظة البصرة، بتاريخ 9 يوليو/ تموز الجاري، بعد يوم واحد من مقتل متظاهر في مظاهرة صغيرة، قبل أن تمتد إلى بقية المحافظات الجنوبية، ذات الكثافة السكانية الشيعية. ورافقت الاحتجاجات، أعمال عنف تسبب بمقتل 14 متظاهراً وإصابة أكثر من 700 بجروح بينهم عناصر أمن، إلى جانب إحراق عدد من المقار الحكومية، ومقار الأحزاب السياسية الشيعية.
ولاحتواء الاحتجاجات، اتخذت الحكومة، قرارات، بينها تخصيص وظائف حكومية وأموال لعدد من محافظات الجنوب، فضلًا عن خطط لتنفيذ مشاريع خدمية على المدى القصير والمتوسط.
** ميناء البصرة
نتيجة غلق ميناء أم قصر، وهو أكبر موانئ العراق، لأربعة أيام متواصلة بدءا من 13 يوليو الجاري، نتيجة اعتصام مفتوح للمئات من المحتجين في المحافظة، شُلت الحركة التجارية، بحسب غرقة تجارة بغداد (مؤسسة رسمية تتولى تنظيم القضايا التجارية). وتضم محافظة البصرة، 7 موانئ مطلة على الخليج العربي، 5 منها مخصصة للأغراض التجارية، واثنان لتصدير النفط الخام.
وقال قاسم عسكر مستشار غرقة تجارة بغداد، للأناضول، إن “غلق ميناء أم قصر في المحافظة، تسبب بتكدس البضائع في بداية الأمر، وبعدها وبسبب حرارة الجو ، تعرضت بضائع تقدر بنحو 100 مليون دولار إلى التلف، تضم مواد غذائية واستهلاكية”. وأضاف عسكر، أن “أحد التجار بلغ غرفة تجارة بغداد بأن بضاعته التي استوردها من الخارج بقيمة مليوني دولار، تعرضت للتلف بسبب التأخير في ميناء البصرة، نتيجة للوضع الأمني والسياسي المضطرب”.
وتابع عسكر: “الوضع السياسي والأمني المضطرب في الجنوب والوسط، ترك تأثيراته السلبية أيضا على الشركات الأجنبية، التي كانت تخطط لبدء الاستثمارات في محافظات الجنوب، ومنها شركات أوكرانية ومجرية، لكنها أوقفت خططها حاليا”.
*التجار ضحية الاحتجاج
حيدر عمران، وهو أحد التجار العراقيين المتضررين من الأوضاع التي شهدها محافظة البصرة، والنتيجة غلق ميناء أم قصر أربعة ايام متواصلة. وأوضح عمران، في حديثه للأناضول، أن “جميع التجار الذين استوردوا بضائع ووصلت إلى ميناء البصرة بالتزامن مع الاحتجاجات، تكبدوا خسائر كبيرة”. وأضاف: “الجميع مضطر لدفع غرامات تأخيرية لشركات الشحن الأجنبية، وغرامات لميناء البصرة، بسبب بقاء البضائع على أرض الميناء”.
وزاد: “الاحتجاجات أثرت أيضا على الحركة التجارية في السوق، خصوصا في المحافظات التي شهدت تظاهرات، فالحركة التجارية شبه متوقفة، بسبب مخاوف الناس من تفاقم الأحداث”.
“أي جهة حكومية ليس لها علاقة بالخسائر التي تعرض لها التجار العراقي”، يقول عمران، ولفت إلى أن “الأحداث الأمنية والسياسية غير المستقرة، تنعكس بشكل سريع على حركة السوق”.
** منافذ إقليم الشمال
ربما الحل الأنسب يجده بعض التجار العراقيين، هو تحويل وجهة إدخال البضائع من موانئ البصرة جنوبي البلاد، إلى المعابر الحدودية في إقليم شمالي البلاد، عبر موانئ تركيا.
عبد الحسن كامل، أحد التجار العراقيين، قال للأناضول، إن “جملة من الأسباب دفعت المئات من التجار العراقيين، إلى تحويل وجهة ادخالهم للبضائع من موانئ البصرة إلى موانئ تركيا، ومنها إلى إقليم الشمال عبر منفذ إبراهيم الخليل البري”. وقال إن الإجراءات المبسطة في تخليص البضائع، إضافة إلى الأحداث الأخيرة التي شهدها محافظات الجنوب، دفعت التجار إلى تغيير وجهة تخليص البضائع.
وأضاف كامل، أن “هناك تجارا يستوردون بضائع بملايين الدولارات، ولا يمكنهم المجازفة بإدخالها عبر موانئ البصرة، فيما المحافظة تشهد احتجاجات كبيرة، قد تسبب بخسائر مادية كبيرة”.
** خيار أخير
يرى عبد المنعم جبر، أحد الناشطين في التظاهرات بمحافظة البصرة، أن اللجوء إلى الاعتصامات وإغلاق الطرق والحقول النفطية والموانئ، ليس الغاية منه تعطيل المؤسسات وشل الحركة في البلاد. وأضاف جبر للأناضول، أنه “على مدى السنوات الأربع الماضية، يتظاهر المئات من العراقيين أسبوعيا في غالبية المحافظات، طلبا لتوفير الخدمات، لكن الحكومة لم تهتم لتلك التظاهرات، ولم تقيم لها أي وزن، باعتبارها تظاهرات مسيطر عليها”.
“المتظاهرون لا يريدون الاستمرار على المنوال بنفس الوتيرة، من دون تحقيق شيء، فلجأ الجميع إلى إغلاق المؤسسات الحكومية، وحقول النفط، والمنافذ، للضغط على الحكومة لتلبية المطالب” بحسب المتظاهر جبر.
وبيّن أن “الاحتجاجات لثلاثة أسابيع حققت شيئاً كبيراً، عجزت عن تحقيقه الاحتجاجات التي استمرت على مدى أربع سنوات، والفرق هو أن الحكومة شعرت بالخوف من المتظاهرين، لذا بدأت بالتحرك لتوفير الخدمات”.
وتقول الحكومة إن “مخربين” يستغلون الاحتجاجات لاستهداف الممتلكات العامة، متوعدةً بالتصدي لهم.
ومنذ سنوات طويلة، يحتج العراقيون على سوء الخدمات العامة والفساد المستشري في بلد، يجني سنويا عشرات مليارات الدولارات من بيع النفط.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية