هل تحلم واشنطن بزراعة “خوذات ملوّنَة” في إيران؟

 

في غمرة التحليلات والتأويلات المتضاربة بشأن التصعيد الأميركي ضد إيران والتهديد بالحرب، قد يكون دونالد ترامب الأكثر وضوحاً من وراء تعليقاته المتناقضة في أمله للتفاوض يوماً ما مع إيران. ولعلّه يعتقد أن يوم التفاوض سيكون قريباً ويرى مؤشرات على ذلك بحسب بعض تعليقاته على تويتر.

بينما استغرق ترامب وقتاً طويلاً في التحريض على ما سماه “الاتفاق السيء” في الإشارة إلى الاتفاق النووي الذي تخلّى عنه، سرعان ما تبيّن أن ترامب لا يعارض إيران بسبب الملف النووي ولا بسبب قدرة إيران الصاروخية والبالستية، إنما يخشى هذه القدرات في إيران التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وترفض “الاستكبار الأميركي” في المنطقة، ولا سيما مع الدول الخليجية للقضاء على القضية الفلسطينية والتحالف بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية فيما يُعرف “بصفقة القرن”.

قد يكون من المستبعَد التعويل على نجاح هذه الصفقة العزيزة على كبد ترامب وصهره جاريد كوشنير، استناداً فقط إلى الدعم الخليجي والمجازر الإسرائيلية والانهيار العربي والفلسطيني. فإذا بقيت إيران في موقع الرفض والمواجهة، يستند محور المقاومة إلى سند قوي لتغيير المعادلات والإطاحة بمشروع القضاء على القضية الفلسطينية والإطاحة بأحلام العصر الأميركي – الإسرائيلي – السعودي.

وهذه المخاوف الفعلية تحدو بترامب وإدارته للقيام ما بوسعهم في الضغط على إيران بالعقوبات وفي التحريض والتهديد، أملاً بما سماه ترامب “تغيير سلوك” إيران في هذا المجال و”تغيير سياسات إيران في المنطقة“. ترامب يحاول جهده تحقيق خرق ما في هذا الاتجاه، لتسويقه في الداخل الأميركي ومع “إسرائيل” وحلفائه من العرب الذين يرون الضغط على إيران أولوية بقاء وجودهم، لكن من دون جدوى.

فبعد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صال فيها ترامب وجال ضد إيران، طلب اللقاء مع الرئيس حسن روحاني ثماني مرات، بحسب رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية محمود فائزي. ولم تكن هذه الطلبات قابلة للرد والتعليق ولا سيما أن المرشد الإيراني السيد علي خامنئي قطع الشك باليقين في رفض أي جدوى من المباحثات مع أميركا.

التهديد الأميركي بمحاولة خنق إيران في “العمل مع مستوردي النفط الإيراني لتقليل وارداتهم إلى ما يقترب من الصفر”، بحسب مايك بومبيو في مكتبة رونالد ريغان بولاية كاليفورنيا، لم يكن من الممكن أن تتجاهله إيران وذلك من أجل رفع معنويات مستوردي النفط الإيراني وخاصة اليابان والهند. فالبلدان زادا من استيراد النفط الخام بمعدّل 7% (وكالة بلومبورغ الأميركية) في الأشهر الماضية على الرغم من الضغط الأميركي، لكنهما قد يخضعان للتهديد الأميركي إذا بدت واشنطن قادرة على إرهاب إيران وتطويعها.

في الرد على هذا التهويل أصدر المسؤولون في إيران على أعلى مستوى استعدادهم للمواجهة في حال منع إيران من تصدير نفطها. وفي هذا الشأن أوضح الرئيس روحاني بعض آفاق الرد بأن “المصالح الأميركية ومراكز استقرار القوات الأميركية هي تحت مرمى القوات الإيرانية المعلَنَة والمخفية”. وقد تكون الإشارة في ذلك إلى حلفاء أميركا في “إسرائيل” والسعودية. وأفصح رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية في هذا الصدد عن “جهوزية نتيجة تجارب مواجهة الأعداء في الميادين المختلفة”.

التهديدات الأميركية والردود الإيرانية أثارت مخاوف الأميركيين من الانزلاق إلى “حرب كارثية تثير مخاوفنا جميعاً وينبغي أن نكون يقظين لوقفها”، وفق بيان عضو لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلّحة السناتور تيم كاين.

وعلى هذا النسق عبّر الكثير من النواب مثل هيم هاينز وأعضاء الكونغرس مثل كريس ميرفي أو مستشار الأمن القومي بول إيتون والمرشح الرئاسي الديمقراطي بيرني ساندرز.. عن قلقهم من ارتكاب ترامب حماقة الذهاب إلى حرب تكون ارتداداتها كارثية.

بومبيو الذي رفع سقف التهديد بالحرب، ينطق بصوت ترامب بشأن “رفع الضغوط عن إيران إذا تغيّرت السياسة الإيرانية بشكل ملموس”. لكنه ينطق بصوت آخر لترامب لم تعلنه الإدارة الأميركية على الملأ قبل ذلك، وهو أن أميركا “لم تعد تخشى من نشر رسالتها الإعلامية داخل إيران وفضح انتهاكات حقوق الإنسان”.

وفي هذا الإطار تم الإعلان عن ميزانية ضخمة لتوجيه نشرات وبرامج باللغة الفارسية موجهة للداخل الإيراني. فأميركا لن تستمر في عهد ترامب بالصمت، بحسب ادعائه، والقول للشعب الإيراني إن الولايات المتحدة تسمعكم وتقف معكم.

لكن إدارة ترامب لا تبتكر جديداً فيما تسوّقه براءة اختراع خاصة بترامب وبومبيو وبولتون. فهي تسعى جاهدة للقضاء على الاستقلال والتحرر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، عبر نشر القيَم والمصالح الأميركية بذريعة الدفاع عن الحرية والديمقراطية وما تشيعه من “أسباب إنسانية” كما هو شأنها في الانقلابات العسكرية في أميركا اللاتينية.

وهو ما برز بشكل فاقع في ما سمي الثورات الملوّنة وهو ما تسعى إليه في إيران منذ الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه. لكم ما تزرعه من “خوذ بيضاء وصفراء” وجواسيس وعسس وعصابات إجرامية تضطر إلى تهريبهم تحت جنح الظلام، كالخوذ “البيضاء” التي تجنّدت “إسرائيل” والدول الغربية لإنقاذهم من مصيرهم العادل في سوريا وإنقاذ الحكومات الغربية المتورطة من انفجار فضيحة دعم العصابات الإرهابية المقنّعة بالبياض.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى