هل تؤدي أزمة الليرة التركية إلى نتائج كارثية على الدولار؟

على الرغم من الطابع الإستراتيجي للعلاقات التي تربط بين الحليفين التقليديين تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن تلك العلاقات ما فتئت تشهد  فتورا حادا و أحيانا رجات عنيفة بين الفينة و الأخرى  لا سيما عقب إعادة انتخاب الرئيس أردوغان لولاية رئاسية جديدة و إرساءه لنظام رئاسي بدلا عن النظام البرلماني، و ذلك بسبب ملفات عديدة أهمها الورقة الكردية  و المحاولة الانقلابية لسنة 2016 ورفض سلطات واشنطن تسليم الداعية الإسلامي فتح الله كولن المتهم من قبل سلطات أنقرة بتدبير تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة ، وحملة الاعتقالات و التوقيفات واسعة النطاق التي شنتها السلطات التركية ضد ما يعرف “بالكيان الموازي” ، و رفض هذه الأخيرة تسليم القس الأمريكي “أندرو برانسون” واقتناء الأخيرة لمنظومة 400S- الصاروخية   الروسية  وتبني تركيا لسياسة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة في العديد من الملفات .

 إلا أن هذا التدهور الحاصل في العلاقات الثنائية  بين البلدين قد أخذ  في عمومه أبعادا متعددة ليصل مداه إلى  شن هجوم اقتصادي منظم على الليرة التركية  وفقدانها لنسبة هامة من قيمتها  السوقية خلال أيام فقط في مقابل الدولار الأمريكي ، ويأتي كل ذلك وسط سيل من التراشق الكلامي و الاتهامات المتبادلة والتلويح بفرض عقوبات اقتصادية متمثلة في الرفع من قيمة الرسوم الجمركية على الواردات من الصلب و الألومنيوم التركي و في مقابل ذلك  الرفع من قيمة الرسوم الجمركية  لتصل إلى%  120 على بعض السلع الأمريكية  كالسيارات والتبغ و مساحيق التجميل و التلويح بمقاطعة المنتجات الإلكترونية الأمريكية وتشجيع المنتج المحلي والصناعة الوطنية بدلا عن ذلك.

وبينما بدأت الليرة التركية في التعافي التدريجي و امتصاص الصدمة من وقع الضغوط التي تتعرض لها بفعل حزمة من التدابير التي اتخذتها الحكومة و البنك المركزي لدعم استقرار عملته المحلية ، و الدعم المعلن من قبل بعض الدول كألمانيا و فرنسا و روسيا  و الصين و قطر ، فإن هذه الأزمة وما نجم عنها من تقلبات في الأوساط المالية العالمية  لاسيما الأوروبية و الآسيوية قد أخذ كنتيجة  لذلك يدعو  للتساؤل حول مدى مشروعية استخدام حرب العملات  و العقوبات الاقتصادية كأداة للضغط و المساومة بهدف تحصيل مكاسب سياسية  لا سيما بين حليفين استراتيجيين و عضوين فاعلين في حلف شمال الأطلسي ، و ما مدى جدوى الاعتماد على الدولار الأمريكي في المعاملات التجارية الدولية و عن علاقة الثقة في الشراكة و التحالف مع الولايات المتحدة فضلا عن مدى احترام مبادئ حرية التجارة.

هذه الأسئلة و الهواجس قد بدأ يصل صداها إلى العديد من العواصم العالمية ومنها دول أوروبية ، كما بدأت تترجم إلى واقع ملموس من قبل وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” الذي وجه  بدوره  من العاصمة التركية انقرة انتقادات حادة لهيمنة الدولار الأمريكي على المعاملات التجارية العالمية وعن نية بلاده في التعامل بالعملات المحلية في ما يخص المعاملات التجارية المرشحة لأن تصل إلى نحو 100 مليار دولار بين روسيا المكتوية أيضا بنيران العقوبات الاقتصادية الأمريكية و تركيا ، و قد يصل الأمر ليطال دولا أخرى  كالصين و الهند وإيران.

 و بالموازاة مع ذلك فإن تبني الرئيس ترامب لسياسة اقتصادية أكثر حمائية من خلال إطلاقه لشعار ” أمريكا أولا ” والذي كان موضع انتقادات و جدل كبيرين ليس فقط من قبل الحلفاء التقليديين لواشنطن بل و حتى داخل الأوساط السياسية الأمريكية المعارضة لسياسة الرئيس الأمريكي بسبب السعي إلى إعادة النظر في اتفاقيات تجارية كبرى كاتفاقية منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “النافتا” و خلافه مع شركاء تجاريين كبار ضمن مجموعة “الآسيان” كالصين ، و الضغط على الحلفاء الأوروبيين داخل حلف شمال الأطلسي بهدف الرفع من قيمة المساهمة في ميزانية الحلف لتصل إلى 2%  من حجم الناتج  المحلي الإجمالي لكل دولة عضو في الناتو ، كل هذه العوامل قد تصب في نظر العديد من المحللين في اتجاه  إعادة صياغة العلاقات الدولية أو  حدوث تغييرات مهمة قد تطال المشهد السياسي و الاقتصادي العالمي.

فهل يمكن أن يتمخض عن هذه التغيرات ولادة لتكتلات اقتصادية جديدة ،  أو توحي  بأفكار جديدة على غرار مجموعة “البريكس” حيث  سعي الدول الأعضاء إلى إرساء آليات نقدية جديدة بعيدا عن هيمنة الدولار الأمريكي و الاحتكار الأمريكي – الغربي للاقتصاد العالمي عبر الرفع من  المساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي ، و تحقيق التكامل و التعاون فيما بين الدول الناشئة ، أم أن  الوقت لازال مبكرا لذلك بالنظر إلى قوة و نفوذ الاقتصاد الأمريكي الذي يصل حجم ناتجه المحلي إلى ما يزيد عن 20,4 تريليون دولار أي بواقع 25,1 بالمائة من حجم الاقتصاد العالمي بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لسنة 2018؟

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى