لا للتخوين
لا للتخوين … بعد أن كانت شبكة من القيود تلف رأس المواطن العربي لتحجب عنه كل طموح بدولة عدالة وقانون خارج اطار الطغمة الحاكمة .. ولتعيق أي حلم بانطلاقة نحو الحرية . . لتحتل لقمة العيش والأمان واسترضاء الحكام أقصى طموحاته لسنوات وسنوات .. هبت نسائم ربيع عربي حمل معه الكثير من مصطلحات وتعابير ، تفتحت في ذهن المواطن براعم حرية وديمقراطية ومواطنة .. شعارات براقة دغدغت خيال المواطن، حملها على لافتات ملونة جميلة وتأملها مدمع العينين …
بعد ما يقارب السنتين نسأل ماذا عن التطبيق ؟؟؟
حقيقة ما زال عنصر المفاجأة قائما” بمدى الهوة بين الشعار وبين تطبيقه عمليا” .. والى كم التراكمات القمعية في عقل المواطن العربي والتي بتنا نشاهدها بوضوح بأساليب الحوار والتخاطب والنقد ..
لا يمكننا انكار أن سنوات القمع السابقة هي السبب من تداخل المصطلحات بين الحرية الشخصية وحرية الرأي ،وبين حرية الأخر وفرض الرأي .. وبين النقد البناء وأسلوب القمع والتخوين الذي أصبح لغة اعلامية بارزة في التخاطب بين الفرقاء ، ليصبح أي لقاء أو حوار بين موالي أو معارض أو حتى بين معتدل وبين أحدهما حوارا” أقرب الى حوار الطرشان القائم على الاقناع والترهيب والتهديد .. والشتم والذم والتخوين ..
وضع أفرز أمراض مجتمعية خطيرة بدأت تتكشف اليوم مع نسائم التحرر من عقود الاستبداد السابقة لتظهر جلية في أسلوب تعاملنا مع مفاهيم النقد والتنوع … وفي نظرة الشخص للأخر المختلف عنه بالرأي أو الفكر السياسي أو العقيدة ..
تعززها برامج حوارية .. عروض تلفزيونية .. وقائع فيسبوكية افتراضية ….تلعب على تحويل الاختلاف الى خلاف شخصي.. وتدل على مدى الشرخ المجتمعي الكبير القائم بين أشخاص تنشأ بينهم عداوات لمجرد اختلاف بالرأي “أو حتى بوجهة النظر ..
لينتقل الحوار من محاولة جدية واعية حضارية ..لتقريب وجهات النظر بالبحث عن القواسم المشتركة لتحقيق هدف مشترك .. الى محاولة تسخيف الفكرة والاستهزاء بصاحبها ، والانتقال من حالة نقد الفكرة أو العمل ، الى تقييم الشخص وأخلاقياته وتاريخه ومبادئه ،وقد تصل الى مرحلة تجريح أو شتم أو اهانة … !!!! حيث يتم بالنهاية نسيان الفكرة المطروحة والتركيز على كسب المعركة الكلامية باستخدام كل الأساليب الهجومية من تجريح الى تقريع تمنح الناقد لذة النصر ولو وهميا” لترفع من الأنا الذاتية عنده …
عدم وجود تعريف واضح ومحدد لمفهوم الحرية وضياعها في مجتمعات العبودية والاستبداد وتغييب ممارستها لسنوات مضت ،مع غياب لغة الحواروالنقد البناء ، هو ما ندفع ثمنه اليوم ..
مرحلة تعقب الثورات عادة تعم فيها الفوضى الفكرية والكلامية ..يحتاج فيها المجتمع الى اعادة هيكلة وتربية وتعليم ..تقوم على ادخال هذه المصطلحات في الحياة اليومية ، لتصبح نمط حياة وأسلوب تفكير .. لنستطيع بناء حوار حقيقي قائم على احترام الأخر وفكره ورأيه .. بعيدا” عن الشخصنة والتجريح ..
واقع يحتاج منا الى لفتة اهتمام كي لا تبقى الحرية مجرد شعار براق جميل على لافتة .. محصور بحرية الأنا وقمع الأخر ..ولكي لا نقع في فخ سياسة التخوين القائم على الشخصنة ..والذي يهدم كل أمل بعمل صحيح .. يوصلنا حقا” الى دولة المواطنة والعدالة والقانون … دولة الحريات .. واحترام الأخر ..