الأبوة الأدبية

مفهوم الأبوة مفهوم ذكوري ما زال تداوله في الثقافة العربية شائعا بسبب هيمنة الطابع الذكوري عليها. مناسبة هذا الحديث هي ما أثير على هامش رحيل الروائي السوري حنا مينة من جدل خاصة في ما يتعلق بمفهوم الأبوة في التجربة الروائية السورية وانقطاع العلاقة بين الأجيال الروائية السورية.

قبل كل شيء مفهوم الأجيال مفهوم مخاتل كما هو حال مفهوم الرواية السورية أو العراقية. هناك تداخل بين التجارب والأجيال داخل المشهد الروائي العربي، وليس المشهد السوري، وإلا اعتبرنا أن الرواية في سوريا أو الخليج تعيش في جزر معزولة عن بعضها البعض.

في الرواية كما في الأدب كله هناك علاقة تأثر وتأثير متبادل بين التجارب المختلفة، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن تأثير تيارات محددة في الرواية العربية، أكثر من الحديث عن مفهوم الأبوة في هذا البد أو ذاك.

وإذا أضفنا تأثير الرواية العالمية وهو تأثير واضح على الرواية العربية، فإن الحديث عن مفهوم الأجيال والأبوة يصبح غير ممكن، لأن ثمة نوافذ كانت وما زالت مفتوحة أمام تأثيرات عربية وعالمية، خاصة بعد اتساع ظاهرة المهجرية الجديدة للكتاب العرب.

لقد أخلص حنا مينة لتيار الواقعية الاشتراكية في الرواية طوال مسيرته الإبداعية الغنية، وكان إلى جانب عدد محدد من الأسماء الروائية يمثلون المشهد السوري، ويمكن أن نجد تأثير ثلاثية نجيب محفوظ المعروفة على تجربة الجيل التالي لجيل حنا مينة واضحا في أعمال بعض هؤلاء الروائيين السوريين، في حين أن تجربة محفوظ هي الأخرى تأثرت بالرواية الواقعية الغربية، حتى على صعيد مفهوم الرواية المتعددة الأجزاء.

لم يبدأ ازدهار الكتابة الروائية في سوريا إلا في السبعينيات الماضية، وهي المرحلة التي بدأ فيها منجز مينة يحقق انتشاره عربيا. في هذه المرحلة بدأ يخفت صوت الواقعية الاشتراكية في الرواية والشعر، الأمر الذي جعل تأثير مينة على الأجيال الروائية في سوريا ضعيفا، لا سيما وأن هذه التجارب على غرار التجارب الروائية العربية كانت وما زالت تتسم بنزعة البحث والتجريب.

إن البحث في صيرورة التجربة الأدبية هنا أو هناك في إطار هذه المفاهيم، يحرم الأدب من أهم سماته وهو البحث والتجريب والتجاوز، ولاشك أن ثبات مينة على شكل محدد في الرواية كان له تأثيره الواضح على حضوره، في ظل انفتاح هذه التجارب الروائية على تأثيرات مختلفة عربيّا وعالميّا.

من هنا فإن قراءة منجز الكاتب يجب أن تظل في سياق قدرتها على التجديد والتطور، وليس في أي سياق آخر يمكن أن يحرمها من حقها في القراءة الخاصة بها.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى