قوات “سورية الديمقراطية”… دور محدود في الزمان والمكان.. وفشل في استحصال المشروعية

شهدت منطقة الجزيرة والفرات في الشمال الشرقي من سوريه الكثير من التغيرات منذ عام 2011 وحتى اليوم، ربما كان أبرزها انحسار دور الدوله السورية في المشهد السابق الذي أستمر لعدة سنوات بعد حدوث الاحتجاجات الشعبية، وظهور الفصائل المسلحة المتمردة على الدولة وحتى العام 2015 حيث بدأت السلطة السورية باستعادة الأجزاء التي خرجت عن سيطرتها، على هذا الجزء من أراضيها وظهور الإدارة الذاتية الكردية كلاعب أساسي.

ومنذ مطلع العام 2013 حاولت الإدارة الذاتية التي اقامها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذي التوجهات القومية، الحلول محل السلطه العامة (الدوله) طارحه عده مشاريع لحكم المنطقة تراوحت بين والفدرالية والكونفدرالية حيث كانت الطروحات تتوسع وتتقلص بحسب الظروف السياسية والتغيرات العسكرية في المنطقة، وحسب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.

ورغم نجاحها في الحصول على صفة لاعب رئيسي في المعادلة السورية الجديدة بعد 2011 واحد أقوى أجنحة المعارضة السورية، في الوقت الحالي لما تتمتع به من تماسك ووجود فعلي على الأرض، ودعم سياسي وعسكري من العديد من الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تبحث عن موطئ قدم في سوريه مع دعم سياسي محلي وقوه محليه مواليه لها، يمكن الاعتماد عليها، وهذا ما وجدته عند الإدارة الذاتية الساعية لتوسيع نفوذها وتحقيق طموحاتها المحلية والإقليمية في انشاء كيان كردي يغازل الاحلام الكردية فكان لقاء الكرد والامريكان امرا محتوما رغم ادراك الطرفين ان استمراره محال عمليا نظرا الى واقع المنطقة الجيوسياسي والديمغرافي، فكان اللقاء بين الطرفين اقرب الى زواج مؤقت يدرك طرفاه عدم وجود القدرة في استمراره رغم رغبتهما بدوامه.

فالإدارة الذاتية الكردية لم تستطع وخلال 6 سنوات من 2012 الى 2018 من اكتساب صفة السلطه الشرعية رغم وجودها كأمر واقع وامتلاكها لقوة عسكريه تفوق 50 الف مقاتل، ودعمها من قبل اطراف دوليه أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، فالسلطة السورية لم تعترف بها (الإدارة الذاتية) كبديل عنها في تلك المناطق، وحيث شهدت الجزيرة السورية صدامات متكررة بين الطرفين وصلت الى درجه قتال الشوارع والقتال بالأسلحة المتوسطة والخفيفة بينهما ذهب فيها عشرات الضحايا من الجانبين، فضلا عن الرفض الشعبي لسكان مناطق الإدارة الذاتية ومن مختلف المكونات لهذه السلطة (الادارة الذاتية والهيكل الذي خلفها بعد ان تم تطعيمه ببعض القوه العربية متمثلا بشقيه 1-قوات سوريه الديمقراطية (قسد) ومجلس سوريه الديمقراطي (مسد)، فضلا عن الرفض الاقليمي وعدم الاقرار الدولي الصريح بها رغم التعامل معها.

اهم المشكلات التي تعاني منها الإدارة الكردية:

من يراقب تطورات المشهد في منطقه الجزيرة السورية يجد ان الادارة الكردية اخذت تعاني من العزلة خلال الفترة الاخيرة وهي المحاطة بجوار اقليمي معادي لها تركيا وحذر في التعامل معها عراقيا.

ورغم قربها من منطقه كردستان العراق الا انها لم تستفد كثيرا من هذا الجوار وحيث الخشية العراقية التركية الإيرانية من الطموحات الكرديه داخل تلك الدول التي تعاني اصلا من مشكلات تاريخية في التعامل معهم.

كما ان خسارتها لإقليم عفرين احد اهم مناطق تواجد الاكراد في الشمال السوري والذي سيطرت عليه فصائل سوريه معارضه بدعم تركي مباشر في عمليه “غصن الزيتون” العام الماضي شكلت انكسار لمشروعها واثارت مخاوفها من تمدد الزحف التركي الى مناطق اخرى، فضلا عن التجربة الفاشلة التي قام به الكيان الكردي في كردستان العراق وما تخللها من خذلان دولي ورفض محلي من الحكومة العراقية.

الا أن التجربة الكردية السورية، كان لها خصوصيتها وظروفها الجغرافية والبشرية والسياسية والتاريخية.

وقد تظافرت هذه العوامل لتجعل من الاستفراد في السلطه وطلب الحكم المحلي امرا غير منطقي وبعيدا عن متناول اليد حيث تعاني الادارة الذاتية في سورية، من عدة مشكلات داخليه ابرزها الاستنزاف المادي والبشري المستمر وحيث تبدو حاجة المناطق التي تسيطر عليها قسد واضحه واحاده للموارد المادية اللازمة لإعادة الاعمار والبناء وزياده عناصرها لتامين الاستقرار. خاصه مع حجم الخراب الهائل الذي تركه قصف قوات التحالف عليها اثناء الحرب مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، ورغم المساعدات الأوربية والأمريكية والخليجية السخية المقدمة لقسد الا انها غير كافيه لتلبيه الحاجات الملحة لتلك المناطق في كل من الحسكة وريف دير الزور والرقة.

وتعاني ادارة “قوات سورية الديمقراطية” من عده مشاكل واضحة لم تستطع التغلب عليها حتى اليوم، وفي مقدمتها الاستنزاف البشري لكوادرها العسكرية والمدنية عبر الاستهداف المادي المباشر للمنتمين الى قسد ما تسبب بمقتل العديد منهم والاستهداف المعنوي غير المباشر عبر التأثير على المنتمين لها والعاملين معها للابتعاد والناي بأنفسهم عنها.

كما انها تعاني من عدم كفاية الكوادر البشرية وقلة خبراتهم وكفاءتهم رغم انها تركت المجال مفتوحا لمن يرغب بالانظمام اليها.

وقد فتحت قسد باب الانضمام الى اداراتها المدنية وهذا شجع الكثير من العرب ومكونات المجتمع المختلفة على الانضمام الى هذا المشروع الذي ظهر لامعا في بدايته مدفوعين باعتقادهم باقتراب سقوط الدولة السورية وان الادارة الذاتية ستكون هي الملاذ الاكثر توافقا مع القانون والحقوق والحريات المدنية والسياسية لكن ومع احتكاك الكثير منهم بهذه السلطة الجديدة واكتشاف تناقض مبادئها وافكارها مع التطبيق العملي على ارض الواقع ابتعد الكثير عنها ما تركها تعاني نقصا مستمرا وبحاجة الى الكثير من المؤهلات والكفاءات لإدارة مناطق سيطرتها .

كما خلف شعور واسع بعدم الرضى عن تصرفات قسد من المكونات المختلفة، في مناطقها بما فيها، اطياف واسعه من المكون الكردي.

وفيما لا تزال المعارك مستمرة ضد تنظيم الدولة وخلاياه المنتشرة فان اعداد المنتسبين الى صفوف القوات المقاتلة في قوات “سورية الديمقراطية” وحتى ضمن اداراتها المدنية اخذت بالتناقص خاصة مع صداماتها المتكررة مع محيطها العربي الذي يشكل الخزان البشري الاكبر في المنطقة وظهور توجه واضح لتكريد المنطقة وتغيير هويتها المتنوعة واستغلال التفوق العسكري لفرض اجندتها بما تحمله من استبداد وتمييز عرقي وثقافي.

فقدان الشرعية:

من خلال تنقلي في مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” وعشرات المقابلات التي اجريتها مع الاهالي وبعض عناصرها بدا واضحا ان سلطتها تواجه ازمه مشروعيه حتى امام بعض العاملين معها وخاصه في المناطق التي ينتفي فيها الوجود الكردي فضلا عن سخط متنامي لعدم كفاية الخدمات المقدمة للمناطق وعدم العدالة في توزيع تلك الخدمات والتمييز الذي يعاني منه بقيه مكونات المجتمع امام الاكراد الذين بدوا غير مستعدين في معظمهم لتجاوز احداث الماضي وبناء ارضية جديدة تعتمد على المواطنة والمساواة، والعدالة، رغم اعتراف اغلب السوريين بمعاناة جزء من الاكراد وعدم استحصالهم على حقوقهم السياسية والقانونية والثقافية وما وقع عليهم من جور خاصه في أحداث 2004 حيث تم قمع تحركات الاكراد من قبل السلطات السورية بعنف واستخدام الخيار العسكري لإسكاتهم.

يشار أن مناطق الجزيرة السورية كانت قد شهدت تحركات شعبيه كرديه في عام 2004 على خلفيه صدامات داميه مع السلطات السورية اعقبت أحداث شغب في مدينه القامشلي أشعلت فتيلها مباراة كرة قدم، لكن تلك التحركات تم قمعها عبر سلسله من التدابير العسكرية والأمنية نتج عنها عدد من القتلى والجرحى ومئات المعتقلين.

كما الشعور بالقلق والخوف لا يزال حاضرا في مناطق “قولا سورية الديمقراطية” سواء من عوده الجماعات المسلحة والمتطرفة التي لاتزال حاضره وموجوده بشكل يصعب انكاره، أو خوفا من عقاب النظام في حال تمكنه من بسط سيطرته على المنطقة من جديد.

من يراقب التحركات السياسية والعسكرية في مناطق “قوات سورية الديمقراطية” يرى بوضوح انها فشلت حتى اليوم في تحقيق اي مشروعيه شعبيه او قانونيه وحتى عسكريه، فحتى قتالها داعش ومحاولتها تنظيم وادارة المنطقة انقلبت، من ورقه في صالحها الى ضدها.

نقطه تستخدم لتحريض عليها واصبحت ضدها، حيث باتت تفسر على انها متحاملة على الدين الاسلامي وباقي مكونات المنطقة. اضافه الى رغبتها في الاستفراد بحكم المنطقة واخضاع بقيه المكونات لسيطرتها وفرض رؤيتها الثقافية، والسياسية ومنهجها الفكري وكسلطة قمعية مستبده تمنع كل نشاط معارض لها ومحتج على تصرفاتها، وانها ادارة مقصرة في تقديم الخدمات وفاشله في تحقيق الامن والاستقرار والتنمية و تحسين الاوضاع واعادة الاعمار.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى