مع إبراهيم الجرادي

أنا حزين حقاً لوفاة الشاعر والدكتور في اللغة العربية وآدابها إبراهيم الجرادي خريج إحدى الجامعات الروسية في السبعينات.

كان إبراهيم يعمل مؤخراً في جامعة خليجية في الإمارات و قد عرفت منذ أيام أنه كان ضحية لمرض السرطان القتال . غير أنني أكاد أقول أنه عرف الموت المعنوي حين تأكد أنه خسر المدينة التي ينتمي إليها شرق الفرات ” الرقة” بعد أن إستولت عليها “داعش” و مكثت فيها لسنوات ثم حررتها القوات الكرية المدعومة من الطائرات الأميركية وباتت حتى الأن مدينة يحتلها الأكراد و قد يخرجون منها إذا تخلى عنهم الأميركيون و قد لا يخرجون إلا بالقوة ذلك لأن ” الرقة ” مرشحة لأن يضمّها المقاتلون الأكراد إلى مشروعهم الإستقلالي الشبيه بكردستان، والذي يحلمون به و ينشطون من أجله منذ أمد بعيد .

هكذا كان إبراهيم الجرادي  يفكر و يصرح بما يشبه اليأس المطلق لأصحاب أنه فقد المدينة التي ينتمي إليها إلى الأبد وعلى الأخص بعد تدخل القوات الأمريكية في مساعدة الأكراد. كان إبراهيم الجرادي يفهم جيدا هذه الأوضاع القاسية وكثيراً ما عبر عن يأسه المطلق من عودة ” الرقة ” إلى سابق عهدها وهكذا يمكن القول أن وضعاً جديداً بالغ القسوة فرض نفسه على إبراهيم و كأنه يسأله ساخراً: ماذا تبقى للشاعر الموهوب حقاً كشاعر حديث مجدد غير اليأس والحنين القاتل إلى مرابع الصبا في مدينة جميلة فقدها إلى الأبد .

ليس السرطان وحده هو القاتل ، فلقد عاشرته قبل سفره الثاني إلى الخليج في جلساتنا الأسبوعية على مائدة الشراب والطعام قبل أحداث الحرب والقتال وبالفعل سافر إبراهيم و خسرناه صديقاً وشاعراً ومثقفاً واسع الإطلاع إلى الأبد في هذه المرة….

ترك إبراهيم الجرادي وراءه الأعمال الشعرية التالية :

1- أجزاء إبراهيم الجرادي المبعثرة وهي مجموعة قصائد و هموم نثرية صدرت عام 1981.

2- رجل يستحم بإمرأة ….وهي نصوص تشكيلية صدرت عام 1983.

3- شهوة الضد مجموعة شعرية صدرت عام 1985.

4- موكب من رذاذ المودة والشبهات وهي ريبورتاجات شعرية بالإشتراك مع آخرين  صدرت عام 1986 .

5- شعراء وقصائد مترجمة بالإشتراك مع آخرين عام 1986.

6- أوجاع رسول حمزاتوف ترجمة وتقديم عام 1988.

7 – الذئاب في بادية النعاس مجموعة شعرية عام 2000.

8 – دع الموتى يدفنون موتاهم :  مجموعة شعرية عام 2007.

و هذا مقطع أخير من قصيدة طويلة على ثماني عشرة صفحة يناقش فيها الحالة العربية لدى الشعراء العرب عموماً وعلى الأخص محمود درويش الذي صدرت له مجموعة شعرية بعنوان “حصار” كان من المفروض أن يستلهم محمود في هذه المجموعة حالة الحصار الوحشي الذي فرضته القوات الإسرائيلية على ” ياسر عرفات” قائد منظمة ” فتح ” و منعت عنه الماء و الطعام ولولا بعض المخزونات لديه إذن لمات جوعاً عرفات هو ومن معه … و الغريب في المجموعة المسماة حصار لمحمود درويش أنه لم يتحدث فيها إطلاقاً عن الحالة الصعبة لذلك الحصار ولا سطر واحد في نقد وحشية الجيش الإسرائيلي … كان إصدار مثل هذه المجموعة الشعرية أشبه بفضيحة وطنية إرتكبها محمود درويش في حق صديقه وزعيمه ياسر عرفات…. و قد خصص إبراهيم الجرادي في مجموعته الشعرية الأخيرة قصيدة مطولة عميقة أخاذة في موضوعها وشكواها ونقدها للشاعر المعروف جداً محمود درويش عنوان القصيدة ” نجمة الإسفلت ” و قارئ هذه القصيدة بأكملها لا بد أن يفهم معنى هذا العنوان على أساس أن “النجمة ” هي محمود درويش و”الإسفلت ” هو العالم الفاسد الذي سقط فيه محمود درويش . و هذا هو المقطع الأخير :

     ستأتي لأن القصيدة دقت مساميرها في يديك

     و لست المسيح الذي بلل الدم أعضاءه

     ستقول وفي فمك الماء حكمتك الباهظة 

    عندما أتحرر أعرف أن مديح الوطن

     كهجاء الوطن ، مهنة مثل باقي المهن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى