«التسامح».. ضرورة فكرية وأخلاقية
في زمن أحوج ما يحتاج إليه الناس إلى فهم عمق معنى التسامح، انبرى الكثير من المفكرين من مشارب ومناطق مختلفة في العالم إلى إبراز تلك القيمة البالغة الأهمية، توضيحاً وتأصيلاً تاريخياً، وتطبيقاً على أرض الواقع.
ومن تلك النتاجات الفكرية التي تولى «برنامج دبي الدولي للكتابة» إبرازها والاستفادة منها، عبر ترجمتها إلى اللغة العربية، كتاب «التسامح بين الفضائل» للكاتب جون أر. بولين، والذي نقله إلى العربية أسامة منير إبراهيم. وفيه يتولى المؤلف تأصيل ذلك المفهوم، انطلاقاً من تلك الأهمية لفضيلة التسامح، وتكمن أهمية الجهد الذي بذله جون أر.
بولين في هذا الكتاب في أنه يتتبع سلوك التسامح بأبعاده الدقيقة بالتحليل، ومن خلال ذلك فإنه يصل إلى اكتشافات أو استنتاجات يشرحها مطولاً في سبيل توضيح الصورة الناصعة للتسامح، الذي يراه فضيلة تنتمي إلى العدل بوصفها جزءاً منهُ، مستنداً في ذلك إلى دراسات وأبحاث وتجارب تاريخية يسهم كل واحد منها في إبراز فضيلة انتهاج التسامح مبدأً حضارياً وفكرياً للتعرُّف إلى الآخر، والأخذ من تجاربه النافعة.
ففي الوقت الذي يفرق فيه الكاتب بين «التسامح والحقد» يطرح فكرة زعمِ البعض أن التسامح يقدم استجابة متناقضة مع نفسها، وبالتالي غير مستقرة، للمشكلات التي تفرضها التعددية. فهو يأتي مثقلاً بالمفارقات. وهو يتطلّب ما لا يمكننا تحقيقه. فالمتسامح يكرهُ تارةً ويزدري تاراتٍ أخرى، من هو مضطرٌّ إلى احتماله، وهو إنجاز لا تستطيع إلا قلة من الناس تحقيقه. ومعظمنا يحل هذا التناقض بين الواجب والرغبة بتنحية اعتراضنا على اختلافات موضع النزاع. وهذا بدوره يمكننا من التخلي عن الرفض الذي يجعل التعددية مشكلة والتسامح حلاً ممكناً. وهنا فإنه يعالج الفكرة التي تزعم أن التسامح يقتضي إعطاء تنازلات حتى يتحقق جوهره بالشكل الفاعل.
الكتاب بشكل عام يسعى إلى زرع فكرة أن التسامح في الحقيقة فضيلة، رغم أن بعض النقاد يؤكد أن المطالب التي يجب أن يلبيها المتسامح، والتنازلات الأخلاقية التي يجب أن يقبلها تمنحه سبباً كافياً ليحذف الفضيلة من قائمته. فهذا لا يعني أن التسامح يخرج عن كونه فضيلة طبيعية، وأنه شأن الشجاعة والعدالة، مصدر لا غنى عنه للازدهار البشري، وأنه يجسد الخير الإنساني الحقيقي في أبهى صوره وأجمل مراحل تطوره الاجتماعية والمعرفية
مجلة البيان الاماراتية